استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة سمير طنطاوي لـ«البيان »:

«كوب 27».. قمة تنفيذ التعهدات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتظر العالم قمة استثنائية في مدينة شرم الشيخ المصرية، في نوفمبر الحالي، وهي قمة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 27»، التي يُنظر إليها باعتبارها «قمة تنفيذ التعهدات».

لا سيما لجهة تمويل العمل المناخي، ووفاء الدول الصناعية الكبرى بتقديم مساعدات سنوية بقيمة 100 مليار دولار للبلدان النامية للمساعدة على مسارات التكيف والتخفيف من آثار أزمة المناخ التي تضرب العالم.

وفي وقت تواجه فيه القمة جملة من التحديات، في ظل عدد من المتغيرات الجيوسياسية، وما ينتج عنها من تداعيات اقتصادية تفرض نفسها على العالم، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، من منطلق تبعات العملية الروسية في أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي، فإن ثمة مخاوف تفرض نفسها على طاولة «العمل المناخي».

في حوار شامل مع «البيان» من العاصمة المصرية «القاهرة»، يتحدث خبير التغيرات المناخية، عضو الهيئة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، الدكتور سمير طنطاوي، عن تأثير تلك الأزمات المتشابكة، مسلطاً الضوء على المخاطر الناجمة عن تغير المناخ التي تُهدد العالم بشكل عام، ونصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تلك المخاطر، باعتبارها من أكثر المناطق عرضة للتأثيرات (الحالية والمستقبلية) على مستوى العالم.

ويتحدث استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، وهو مدير مشروع البلاغ الوطني الرابع لمصر، عن استراتيجية بلاده في التكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، وأبرز المناطق المُهددة، كما يُبرز الحلول المتاحة لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وفقاً لتعهدات مؤتمر باريس للمناخ 2015، للسيطرة على التغيرات المناخية. وإلى نص الحوار:

هل تعتقد أن العالم يسير في الاتجاه الصحيح بمساري التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية؟

إن أزمة التغير المناخي تضرب العالم أجمع، لا تفرق بين دولة غنية أو فقيرة، وفي الوقت الذي تعتبر فيه الدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن النسبة الكبرى من الانبعاثات المسببة لأزمة المناخ (بنسبة تصل إلى 80 % من الانبعاثات) فإن الدول النامية التي تواجه المخاطر الكبرى لأزمة المناخ، هي مسؤولة فقط عن نسبة ضئيلة من الانبعاثات (قارة أفريقيا تسهم بنحو 4 % فقط على سبيل المثال، رغم أنها تواجه مخاطر أكثر).

العالم لا يتعامل بالآلية المطلوبة في مواجهة التغير المناخي، في ضوء عدم الالتزام بالاتفاقات الخاصة بأزمة المناخ وما نصت عليه من سلسلة من التعهدات من أجل خفض نسب الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

تحديات مختلفة

هل جملة التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم ستؤثر على التزامات الدول الكبرى إزاء الدول النامية؟

إن مخاطر وآثار التغير المناخي تطال الجميع.. يشاهد العالم الآن كيف تتأثر أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بالتغيرات المناخية، وأسوأ موجات الجفاف غير المسبوقة التي تشهدها القارة العجوز منذ نحو خمسة قرون، وغيرها من الآثار.

حيث إن تلك التبعات تؤثر على مختلف القطاعات، بما في ذلك إعاقة عبور السفن المحملة بالمواد الغذائية والطاقة، وبما يعمق أزمات أوروبا إلى جانب الأزمات الأخرى التي تعيشها (بالإشارة إلى تداعيات العملية الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة التي تهدد دول الاتحاد الأوروبي بشتاء قاسٍ، وكذلك التداعيات الاقتصادية للحرب).

تحديات مختلفة يواجهها العمل المناخي في إطار الأوضاع الدولية الراهنة، لا سيما في ظل العملية الروسية في أوكرانيا وتداعياتها المختلفة، بما في ذلك أزمة الطاقة التي دفعت دولاً أوروبية للاتجاه إلى الفحم، وفي ظل التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وآثارها على التزامات الدول الكبرى إزاء دعم وتمويل البلدان النامية والوفاء بتعهداتها في ملف المناخ.

إذا انتقلنا بالحديث لمنطقة الشرق الأوسط.. كيف يبدو تأثرها بأزمة المناخ وخاصة في المنطقة العربية؟

منطقة الخليج من أكثر المناطق عرضة للتأثيرات الحالية والمحتملة لتغير المناخ على مستوى العالم، فهي من المناطق المهددة بمزيد من الارتفاع بدرجات الحرارة (نستشهد هنا على سبيل المثال بدرجات الحرارة في الكويت، باعتبارها من أكثر المناطق سخونة حول العالم)، فضلاً عن التأثيرات المرتبطة بارتفاع مستوى مياه البحار، وكذلك العواصف التي تضرب دول المنطقة.

ثمة عدد من الشواهد المرتبطة بآثار أزمة المناخ على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بينها الفيضانات العارمة التي تجتاح بعض المناطق (من بينها السودان الذي شهد فيضانات هي الأسوأ منذ ستة عقود).

وكذلك حرائق الغابات (على غرار الحرائق الواسعة التي شهدتها دول شمال أفريقيا بالجزائر وتونس والمغرب تحديداً، التي خلفت خسائر بشرية ومادية وبيئية باهظة، وأدت إلى نزوح كثير من السكان)، فضلاً عن العواصف الترابية الخانقة (بما في ذلك العواصف الترابية والرعدية في الخليج)، إضافة إلى موجات الجفاف والزلازل والسيول.

المنطقة مرشحة لأن تشهد مزيداً من تلك التغيرات المتطرفة، وآثارها شديدة الخطورة، بما في ذلك انعكاسات واسعة على التنوع البيولوجي والإنتاج الزراعي ومختلف القطاعات، بخلاف التأثيرات المرتبطة بانتشار الأمراض والأوبئة وغير ذلك.

«كوب 27»

وكيف يبدو الحال بالنسبة لجمهورية مصر العربية؟

تستضيف مصر مؤتمر قمة الأطراف «كوب 27» هذا الشهر وتولي القاهرة ملف التغير المناخي اهتماماً واسعاً. القمم السابقة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ خرجت عنها تعهدات لم يتم تنفيذها على أرض الواقع، لا سيما في ما يتعلق بتقديم الدعم للبلدان النامية في مشروعات التكيف والتخفيف لمواجهة أزمة المناخ، وبالتالي يترقب العالم «كوب 27» في مصر، باعتبارها قمة تنفيذ التعهدات.

تناقش القمة عدة ملفات أساسية، في مقدمتها: تمويل المناخ، وخفض الانبعاثات، وإيجاد حلول لموضوعات التكيف، والخسائر والأضرار، وتعويض الدول النامية المتضررة من آثار التغيرات المناخية، في وقت تصنف فيه من بين أكثر المناطق تأثراً بأزمة المناخ.

وبما ينعكس على مختلف القطاعات الرئيسية، ويشكل تهديداً للسواحل والزراعة والموارد المائية والتنوع البيولوجي والصحة والبنية الأساسية، وغير ذلك.

تتعدد مظاهر تأثيرات أزمة المناخ في مصر، بدءاً من الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة، واضطراب المواسم (طول فصل الصيف على حساب الخريف، وزيادة مدة فصل الشتاء على حساب الربيع)، والتذبذب الحادث في معدلات الأمطار.

وكذلك الأمطار الغزيرة المفاجئة (فبدلاً من هطول الأمطار بكميات معينة في عدد من الزخات، تهطل بنفس الكمية وفي عدد أقل من الزخات) بما يضغط على البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي وتؤدي لغرق الشوارع، وغيرها من الآثار ذات الصلة، فضلاً عن تأثر المناطق المحيطة بالسلاسل الجبلية بسقوط الأمطار على الجبال.

ومن ثم التسبب في كوارث كبيرة بتلك المناطق، إضافة إلى أثر ارتفاع درجات الحرارة على معدلات ونسب التبخر، وبالتالي نسب فقدان المياه بالنسبة لنهر النيل، وغيرها من الآثار التي تنعكس على مختلف القطاعات، لا سيما الزراعة على سبيل المثال.

أعدت مصر 15 مبادرة دولية، تشمل النقل المستدام، وتدوير المخلفات، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، والمدن المستدامة، وتدابير التكيف في قطاع المياه والزراعة، والسلام المناخي، والتكيف من خلال إجراءات صديقة للبيئة، ذلك إلى جانب دليل شرم الشيخ لتمويل العمل المناخي.

البنية التحتية

وما الإجراءات الاستباقية المتخذة في سبيل التعامل مع تلك التهديدات؟

المناطق المنخفضة عن سطح البحر عموماً معرضة لارتفاع منسوب المياه وغرق بعض الأماكن الساحلية ودول جزرية (على غرار المالديف)، كما يمكن أن تتسرب مياه البحر عبر التربة إلى الأراضي المحيطة وتؤدي إلى زيادة نسب ملوحة التربة، ما يجعل الأرض غير صالحة للزراعة، فضلاً عن تأثير ذلك التسرب على المياه الجوفية، وجميعها تداعيات تهدد البنية التحتية للدول.

وكذلك الأمن الغذائي، وهي قضية أمن قومي. في مصر، تبذل الدولة جهوداً واسعة من أجل حماية الشواطئ والمناطق المنخفضة، ضمن مشروعات تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في منطقتي الساحل الشمالي ودلتا النيل.

وفي السياق، تعمل مصر على الانتهاء من خريطة تفاعلية محدثة بأكثر المناطق تأثراً بأزمة المناخ وتعرضاً للمخاطر من خلال وزارة البيئة.

وما مدى أثر تلك التداعيات على قضايا بعينها، على رأسها «الأمن الغذائي» للمصريين؟

الأمن الغذائي في مصر يواجه تحديات شديدة الخطورة ناجمة عن أزمة الغذاء، لا سيما في ضوء اضطراب المواسم الذي يُربك المزارعين، وهو ما يتطلب رفع الوعي لديهم بشكل كبير إزاء المتغيرات الحادثة، والمرتبطة بدرجات الحرارة ومواعيد الأمطار، وكذلك الرياح والرطوبة، وغيرها من العوامل.

مختلف المحاصيل الزراعية تتأثر بالتغير المناخي (ما عدا القطن، فهو يتحمل درجات الحرارة)، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى تكنولوجيات زراعية وحلول بديلة، على غرار زراعة الأرز بكميات أقل من المياه باستنباط محاصيل جديدة تراعي تداعيات التغيرات المناخية، بما في ذلك ملوحة التربة وارتفاع درجات الحرارة وقلة كميات المياه، وهو ما تسعى الدولة المصرية في إطاره ضمن الحلول التي يتم العمل عليها.

تقييم المخاطر

قدّمتم عدداً من البلاغات الوطنية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، ما فحواها؟

نحن نعمل من خلال مشروع الإبلاغ الوطني الرابع على تقييم المخاطر المرتبطة بأزمة المناخ، وسبل التكيف معها.. مصر ملتزمة بتقديم التقارير الدورية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وهناك ثلاثة أنواع من التقارير، بخلاف الاستراتيجية الوطنية التي تم إطلاقها أخيراً.

التقرير الأول هو «البلاغات الوطنية»، إذ تلتزم الدول المنضمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي بتقديم تقارير دورية (كل أربعة أعوام) إلى الـ UNFCCC تستعرض وتقيم التقدم المحرز في تنفيذ الاتفاقية.

وقد قدّمت مصر ثلاثة تقارير، وجارٍ إعداد التقرير الرابع لتقديمه في العام المقبل (2023)، بما يشمل استعراض: (الظروف الوطنية، وحصر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وإجراءات وسياسات تخفيف الانبعاثات، إضافة إلى تقييم المخاطر والتكيف مع تغير المناخ، وكذلك بناء القدرات، والاحتياجات الفنية والمؤسسية) في إطار جهود تحقيق أهداف اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ.

أما التقرير الثاني، فهو تقرير المساهمات الوطنية، ذلك أن اتفاق باريس يلزم كل طرف موقع بتقديم تقرير «المساهمات الوطنية»، وهي تقارير تُحدّث كل خمس سنوات، وهي عبارة عن «خطة عمل مناخي لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ»، وتقدم إلى الـ UNFCCC.

سلمت مصر آخر التقارير في يوليو الماضي، بينما التقرير الثالث هو التقرير المحدث الشامل (كل عامين) BUR، وقد سلمت مصر تقريرها الأول إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي في العام 2019.

وماذا عن الاستراتيجيات الوطنية لتغير المناخ 2050 في مصر؟

في ما يتعلق بـ«الاستراتيجيات والخطط الوطنية لتغير المناخ»، فإنه في إطار الجهود الوطنية بشأن التغير المناخي، تعمل الدول على إطلاق استراتيجيات وخطط وطنية للحد من آثار التغير المناخي والتكيف مع تبعاته، وفي مصر اعتمد المجلس الوطني لتغير المناخ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ (2050) بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

وقد أطلقت الاستراتيجية رسمياً في مايو الماضي. وتعتبر الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر بمثابة «خريطة طريق لمواجهة تحديات تغير المناخ».

وستمكن الاستراتيجية القاهرة من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية المرغوبة، باتباع نهج مرن ومنخفض الانبعاثات، وتستهدف التصدي بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ، بما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين وتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي المستدام والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية.

Email