ذوو الاحتياجات الخاصة في غزة.. معاناة في زمن الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة  من أوضاع إنسانية صعبة في غزة، لاسيما وأن خمسهم من الأطفال، وفقا لتقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

ونزح أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة داخليا منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، حيث يقيم الكثير منهم الآن في ملاجئ مؤقتة مكتظة، تعاني من نقص الغذاء والمياه والأدوية ومنافذ الصرف الصحي وفق الحرة.

بالنسبة لسكان قطاع غزة الذين يعانون من إعاقات، البالغ عددهم حوالي 48 ألف شخص، وفقًا لتقرير المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني المنشور عام 2019، فإن "احتمال الإخلاء (والنزوح) محفوف بالمخاطر، إن لم يكن مستحيلاً".

وكانت شبكة "سي إن إن" قد أوردت في وقت سابق، تقارير عن مقتل مدنيين فلسطينيين اتبعوا أوامر الإخلاء بسبب الضربات الإسرائيلية، مما يسلط الضوء على ما وصفه المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، بالواقع المرير المتمثل في أنه "لا يوجد مكان آمن في غزة".

وأوضح مدير دار "مبرة الرحمة" لرعاية الأيتام، حازم العنزي، أن "الخوف والقلق يسيطران عليه" بشأن احتمال نفاد الغذاء والماء وغيرها من الضروريات الأساسية لعشرات الأطفال والمراهقين الذين ترعاهم الدار، خاصة أن معظمهم من الاحتياجات الخاصة.

وكانت غارة قد استهدفت مسجدًا بالقرب من دار الأيتام في 27 أكتوبر، مما أدى إلى تحطيم النوافذ وتناثر الحطام في المبنى وإشعال النار وامتلائه بالأدخنة.

وقال العنزي إنه واجه "قرارًا مؤلمًا" بشأن إجلاء الأيتام، قائلا: "كانت الفوضى تعم المكان والأطفال يبكون من الهلع والخوف، لذا سارعنا لنقلهم إلى مكان آمن، في حين تفرغ بعضنا لإطفاء النيران".
وأوضحت جمعيات حقوقية أن الفلسطينيين ذوي الإعاقة "هم أكثر عرضة للموت مقارنة بغيرهم من الأصحاء".

وقال نشطاء مدافعون عن ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنظمات إغاثة، إن "الأشخاص الصم أو المكفوفين أقل عرضة لمعرفة أوامر الإخلاء ولا يمكنهم سماع الضربات أو رؤيتها". 

ولفتوا إلى ذوي الإعاقات الذهنية، موضحين أنهم "قد لا يتمكنون من الإبلاغ عن مكان وجودهم لأقاربهم أو عمال الإنقاذ، في حين أن الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية الذين يعتمدون على الكراسي المتحركة وغيرها من الأجهزة المساعدة، غير قادرين على التنقل بين الأنقاض، ناهيك عن المشي لمسافات طويلة في اتجاه الجنوب".

ويواجه مقدمو الرعاية لذوي الاحتياجات مثل العنزي، "خيارًا صعبا بالبقاء في أماكنهم أو المخاطرة بمحاولة الإجلاء دون وجود ضمانات بالحفاط على سلامتهم"، وفق الشبكة الأمريكية.

وتابع بأسى: "أين سأترك هؤلاء الأطفال.. هل أتركهم في الشارع؟.. ليس لدينا أمل سوى أن تنتهي هذه الحرب قريباً".

من جانبها، كشفت هبة أبو جزر (29 عاما) عن معاناتها، موضحة أنها صماء ولا تسمع أصوات القصف والانفجارات، بيد أنها "تشعر بالاهتزازات الناجمة عنها".

وتابعت وهي تتحدث بلغة الإشارة: "كنت أعمل على جهاز الحاسوب الخاص بي قبل أن أغفى عليه من شدة التعب والإرهاق، في حين كان الحي يتعرض للقصف".

وأضافت: "بدأ والدي وأمي بالصراخ، معتقدين أنني قُتلت.. وعندما انقشع الغبار ووجدوني وأختي (وهي صماء أيضًا)، قد بدأنا في البكاء الغزير، ولم أتحرك بسرعة لأن الحجارة كانت ستسقط على رأسي".

من جانبها، أكدت، الباحثة البارزة في حقوق ذوي الاحتياجات في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أمينة تشيريموفيتش، أن هؤلاء "يحتاجون إلى مزيد من الوقت للإخلاء، حتى لو حصلوا على تحذير مسبق".

وبعد قصف منزل هبة، نزحت هي وعائلتها إلى مأوى مؤقت، قائلة: "لم يكن يوجد ماء أو كهرباء أو إنترنت، ولا بطانيات تقينا برد الليل القارس.. كنا نشعر بالاختناق والتعب الشديدين".

وعلى عكس منازلهم، فإن الملاجئ ليست مناسبة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث إن المدنيين يعيشون في غرف وأماكن ضيقة دون خصوصية، ولا تتوفر لهم سوى إمكانية محدودة للحصول على منتجات النظافة، بالإضافة إلى عدم توفر المراحيض دائمًا في كل طابق، مما يشكل عائقا أمام وصول الأشخاص الذين لا يستطيعون صعود السلالم. 

وقال جمال الروزي، المدير التنفيذي للجمعية الوطنية للتأهيل، الذي كان يعيش في مدينة غزة وفر جنوبا حفاظا على سلامة أطفاله، إنه "يمكن إيواء ما يصل إلى 70 شخصا في غرفة واحدة، مع إجبار بعضهم على البقاء على الدرج". 

وأوضح أن الأطفال ذوي الاحتياجات الذين قد يفتقرون إلى القدرة على المضغ "قد يعانون من الجوع، لأنه لا يوجد عدد كاف من الموظفين المتاحين لتقديم الطعام المناسب لهم ومساعدتهم على تناوله".

وقالت ريهام شاهين، أخصائية إعادة التأهيل في منظمة "الإنسانية والشمول" الدولية غير الحكومية، إن "الأشخاص الذين يعانون من سلس البول لا تتوفر لهم الحفاضات أو المراحيض التي يمكن الوصول إليها، مما يعني أنهم لا يستطيعون تنظيف أنفسهم، مما يزيد من انتشار التهابات المسالك البولية".

وأكدت أن ندرة المراتب (الفراش) المخصصة للمصابين بالشلل الرباعي تزيد من تقييد حركتهم، مما يسبب لهم التقرحات.

وبالنسبة للغزيين ذوي الاحتياجات الذين وصلوا إلى ملاجئ مؤقتة في الجنوب، فإن الخدمات التي يعتمدون عليها للحصول على الخدمات اليومية "إما أنها غير موجودة أو نادرة، مما يجعل البقاء على قيد الحياة أكثر صعوبة لهم".

وقالت فداء عمر، أخصائية علم النفس في الجمعية الوطنية لتأهيل المعاقين ومقرها خان يونس جنوبي قطاع غزة، إن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية "أصبحوا معزولين عن العالم".

ومع اقتراب القوات الإسرائيلية أكثر فأكثر، يخشى العنزي من أن يتم "تهجير دار الأيتام مرة أخرى"، قائلا إن المحاولة الثانية للفرار "ستكون أكثر خطورة من الأولى". 

وأوضح أن عمليات الإجلاء في حال حدوثها "ستكون سيرا على الأقدام لعدم توفر الوقود للحافلات"، مردفا: "نحن نعاني كثيراً حقاً ونشعر برعب كبير". 

وختم قائلا: "نحاول القيام بواجبنا الإنساني تجاه هؤلاء الأطفال، الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم ولدوا في غزة".

Email