أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن العاملين الطبيين في قطاع غزة يواجهون كل دقيقة حتمية الاختيار "بين من يجب أن يتلقى العلاج ومن يُترك ليموت" من جرحى القصف الإسرائيلي.

ونقلت الصحيفة في تقرير موسع عن الممرضة الأمريكية إميلي كالاهان، التي عادت للتو من غزة قولها إن زملاءها اختاروا بالبقاء في غزة رغم علمهم أنهم قد يقتلون في الغارات.

وبحسب التقرير الذي نشره موقع " الحرة " فبعد ثلاثة أسابيع قضتها تحت القصف، غادرت كالاهان غزة الأسبوع الماضي. وعندما سألها مذيع شبكة "سي.إن.إن" إن كانت ستعود إلى غزة إذا أتيحت لها الفرصة، أجابت: "من كل قلبي، من كل قلبي تماما... قلبي في غزة، سأبقى في غزة، الفلسطينيون الذين عملت معهم كانوا من أروع الأشخاص الذين قابلتهم على الإطلاق.. أبطال مطلقون، لو كان بإمكاني الحصول على قدر بسيط من الشجاعة التي يتمتعون بها لكنت سأموت شخصا سعيدا".

مع انهيار مستشفيات غزة بسبب استمرار القصف الإسرائيلي والحصار الذي خلف نقصا حادا في الأدوية والمياه والغذاء والوقود، يقف القطاع  الطبي في غزة على شفا كارثة إنسانية. وتقول كالاهان إن آلاف الفلسطينيين يعيشون في ظروف غير صحية وغير آدمية بينما يواجهون الموت بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة.

وأخبرت كالاهان الشبكة أن أحد زملائها، وهو ممرض، قُتل في عطلة نهاية الأسبوع الأول في إحدى الغارات التي استهدفت سيارة إسعاف.

وعندما صدرت أوامر بمغادرة شمال غزة، قالت كالاهان إنها أرسلت على الفور رسالة نصية إلى أعضاء طاقم المستشفى لمعرفة ما إذا كانوا سيتوجهون إلى الجنوب. والإجابة الوحيدة التي حصلت عليها كانت:  "هذا مجتمعنا. وهذه عائلتنا. وهؤلاء هم أصدقاؤنا. إذا كانوا سيقتلوننا هنا، فسنموت ونحن نحاول إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس".

وفقا لكالاهان، اختار الأطباء والممرضون في غزة البقاء في منطقة الصراع لتقديم الرعاية الطبية المطلوبة بشكل عاجل، رغم المخاطر. وقال كالاهان: "إن الأطباء والممرضات الذين عملت معهم في غزة هم من أشجع الأشخاص الذين قابلتهم على الإطلاق".

وأكدت أنها الآن تشعر بالقلق كل يوم بشأن سلامة زملائها.

وقالت كالاهان للشبكة: "أستيقظ كل صباح وأرسل رسالة نصية وأسألهم: هل أنتم على قيد الحياة؟ وفي كل ليلة قبل أن أنام أرسل رسالة أخرى تقول: هل أنتم على قيد الحياة؟"

وقالت كالاهان: "أجد صعوبة في العثور على المتعة في أي من هذا لأنني آمنة حاليا، وهذا نتيجة لاضطراري إلى ترك الناس ورائي".

وتحدثت كالاهان عن معاناة الأطفال تحديدا في غزة، قائلة: "كان هناك أطفال مصابون بحروق شديدة في وجوههم وأعناقهم وفي جميع أنحاء أطرافهم، ولأن المستشفيات مكتظة للغاية، يتم إخراجهم على الفور بعد ذلك".

وأضافت: "يحضر الآباء أطفالهم إلينا ويقولون: هل يمكنكم المساعدة من فضلكم؟ وفي الواقع، ليس لدينا أي إمدادات".

وتابعت كالاهان: "ويتم نقلهم إلى هذه المخيمات حتى دون إمكانية الحصول على المياه. ويوجد الآن 50 ألف شخص في مخيم بأربعة مراحيض، ويتم تزويدهم بالمياه لمدة ساعتين كل 12 ساعة".

وشاركت كالاهان تفاصيل التحديات الهائلة التي تواجه توفير الرعاية أثناء النزاع. وقالت: "كنا نسمع القصف والغارات الجوية في الخارج أثناء إجراء عمليات جراحية طارئة. وفي بعض الأحيان، كان المستشفى يهتز".
بعد الإخلاء إلى مكان آمن، شاركت كالاهان تجربتها لرفع مستوى الوعي حول الأزمة في غزة. وقال كالاهان: "أريد أن يعرف الناس ما يحدث بالفعل على الأرض. فالعاملون الطبيون والمدنيون يفقدون حياتهم بسبب نقص الإمدادات الأساسية وعدم القدرة على المغادرة لتلقي العلاج".

وأشارت كالاهان إلى المساعدة التي قدمها الموظفون الفلسطينيون الذين لم يغادروا أماكنهم، وقالت: "لولا مساعدة الموظفين المحليين لكنا قد متنا في غضون أسبوع".

وقالت إنها وفريقها اضطروا إلى التوسل للحصول على الطعام والماء، وأعربت عن اعتقادها بأن المواطنين في غزة معرضون لخطر المجاعة إذا لم يحصلوا على المساعدة.

وقالت: "عندما أقول إننا كنا سنموت جوعا، فأنا لا أبالغ".

وتحدثت كالاهان عن شجاعة الفلسطينيين، قائلة "وفي لحظات اليأس المطلق للمواطنين، كانوا حازمين وهادئين وتحدثوا معهم وأخبروهم أنهم أيضا في نفس القارب، وليس لديهم إمدادات، كما أنه ليس لديهم طعام أو ماء، وكانوا أيضًا ينامون في الخارج على الأسمنت".

وشنت إسرائيل سلسلة مدمرة ومستمرة من الغارات الجوية على قطاع غزة المكتظ بالسكان منذ أن أعلنت الحرب على حماس في 8 أكتوبر ردا على هجوم حركة "حماس" الفلسطينية.

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأحد، الدعوات لوقف إطلاق النار، قائلا إنه لن يكون ممكنا "بدون عودة الرهائن".

واحتجزت حماس ما لا يقل عن 242 رهينة منذ مهاجمتها إسرائيل في 7 أكتوبر، وفقا للجيش الإسرائيلي. وأطلقت حماس سراح أربعة رهائن، بينما أنقذ الجيش الإسرائيلي رهينة أخرى.

وقال نتانياهو للقوات الإسرائيلية في قاعدة للقوات الجوية بجنوب إسرائيل، الأحد، "نقول هذا لأصدقائنا وأعدائنا. سنواصل ببساطة حتى نهزمهم. ليس لدينا بديل".

وأدت الحرب المستمرة إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين من الجانبين. وقد قُتل أكثر من 1400 شخص وفقا للسلطات الإسرائيلية، وتقول السلطات الصحية في غزة إن أكثر من 10 آلاف فلسطيني قتلوا، وأصيب نحو 25 ألفا جراء الغارات الإسرائيلية. وترتفع الحصيلة كل يوم، ويعتقد أن بعض الضحايا ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض.

  • انهيار المستشفيات

ومع انهيار مستشفيات غزة بسبب استمرار القصف الإسرائيلي والحصار الذي خلف نقصا حادا في الأدوية والمياه والغذاء والوقود، يواجه العاملون في المجال الطبي أصعب الخيارات كل دقيقة، ما يضعهم تحت ضغط نفسي كبير أبرزته صحيفة "نيويورك تايمز".

"كل يوم هو خيار بين من يعيش ومن يموت" هكذا يقول الأطباء والممرضون في مستشفيات غزة التي تقترب من الانهيار بدون كهرباء وإمدادات أساسية، حيث أنهم يتعين عليهم الآن تحديد المرضى الذين سيحصلون على أجهزة التنفس الصناعي، ومن الذي سيتم إنعاشه، أو من الذي سيحصل على أي علاج طبي على الإطلاق، بحسب الصحيفة.

وأوضح الأطباء في غزة أنهم يتخذون قرارات سريعة وسط صرخات الأطفال الصغار الذين يخضعون لعمليات بتر أو عمليات جراحية في الدماغ دون تخدير أو مياه نظيفة لغسل جروحهم.

ويقول الأطباء في قطاع غزة إن الظروف داخل غزة المكتظة بالسكان هي الأسوأ على الإطلاق، حيث تنهار مبان سكنية ومدارس ومستشفيات بأكملها تحت القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين.

ونقلت الصحيفة عن نائب مدير مستشفى الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، باسم النجار، قوله إن "طواقمنا منهكة جسديا ونفسيا".

وأضاف "يبقى بعض الأطباء أسبوعًا كاملاً في المستشفى. ويتم نقل بعض عائلاتهم إلى المستشفى مقتولين أو مصابين. ويعود بعض الأطباء إلى منازلهم ويقتلون هناك، ثم يتم إرجاع الجثث إلى المستشفى".

وتابع أن ثلاثة من العاملين في المستشفى توفوا في منازلهم جراء القصف الإسرائيلي.

وبحسب الأطباء فإن الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية والنقص الحاد في الوقود أدت إلى إغلاق ما يقرب من نصف مستشفيات غزة بالكامل، في حين أن المستشفيات التي لا تزال أبوابها مفتوحة تقدم الحد الأدنى من الرعاية، في أحسن الأحوال.

ووفقا للصحيفة، أدى نقص إمدادات المياه العذبة واليود إلى ترك الجروح قذرة، حيث تأكل الديدان لحوم المرضى المتفحمة والممزقة، وفقًا لمقابلات مع أطباء في أربعة مستشفيات في جميع أنحاء غزة. وبدون المياه الكافية، لا يتمكن الأطباء والممرضون من توفير المرافق الصحية الكافية لمرضاهم، أو غسل الجروح أو توفير أغطية للأسرة في المستشفى.

وقال أطباء في مستشفيين في غزة للصحيفة إنه مع عدم وجود أي شيء لتشغيل مكيفات الهواء، أصبحت الحرارة سيئة بما يكفي لجعل جروح المرضى تتفاقم، إذ يحتاج الطاقم الطبي إلى مخزون الوقود المتناقص لإضاءة غرف العمليات.

وأوضحت "نيويورك تايمز" أن قليلا من المصابين بجروح خطيرة يحصلون على سرير في المستشفى. وقال الأطباء إن عددا أقل من ذلك يستخدم جهاز التنفس الصناعي أو التخدير عند إجراء العمليات الجراحية، بما في ذلك جراحات الدماغ. ويقول الأطباء إن أدوية التخدير غير متوفرة منذ حوالي أسبوعين.

علاوة على كل هذه التحديات، أصبحت المستشفيات دور أيتام مؤقتة أيضًا، وفقًا للعاملين في المجال الطبي.

وفي بعض الحالات، يصل الأطفال إلى المستشفيات بعد أن قُتلت أسرهم بأكملها في الحرب أو شاهدوا والديهم يموتون على نقالات المستشفى أو أرضياتها. وقد قام الطاقم الطبي برعاية بعض الأطفال حتى يتمكن أحد الأقارب من أخذهم.

وتتقاسم هذا المعاناة 19 مستشفى أخرى لا تزال تعمل بدرجات متفاوتة في غزة. ويتزايد الضغط على تلك المستشفيات، حيث تقوم بتعويض 16 مستشفى أصبحت الآن خارج الخدمة، بحسب بيان لوزارة الصحة، الخميس.