قراءة في كتاب

أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمرنا الله عز وجل أن ندعوه باسمائه الحسنى، قال تعالي في سورة «الأعراف»: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، وقال سبحانه في سورة «الإسراء»: (قل ادعو الله أو أدعو الرحمن أياما تدعو فله الأسماء الحسنى).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه على أهل العلم منذ زمن طويل: ما هي الأسماء الحسنى التي تدعو الله بها وكيف استمرت الأسماء التي يعرفها عامة المسلمين حتى الآن؟ وهل هذه الأسماء جميعها سمى الله نفسه بها أم سماه رسوله صلى الله عليه وسلم؟.حول هذا الموضوع يقدم لنا الدكتور محمد عبدالرازق الرضواني كتابه الجديد «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة».

في البداية يؤكد المؤلف أن المتفق على ثبوته وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن الأسماء الحسنى تسعة وتسعون اسما، وقد ورد ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة).

لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الأسماء أو سردها في نص واحد.وفي نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجري حاول ثلاثة من رواة الحديث جمعها باجتهادهم، أما استنباطا من القرآن والسنة، أو نقلا عن اجتهاد الآخرين في زمانهم.. الأول منهم وهو أشهرهم وأسبقهم: الوليد بن مسلم مولى بني أمية والثاني هو: عبدالملك الصنعاني، أما الثالث فهو: عبدالعزيز بن الحصين.

وقد اشتهر ما جمعه الوليد بن مسلم بين الناس منذ أكثر من ألف عام، حيث جمع ثمانية وتسعين اسما بالإضافة إلى لفظ الجلالة وهى: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، والسلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرازق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض.

الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، والمجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المبدئ، المعين، المحيي.

المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الولي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك، الملك، ذو الإجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور.

ويرجع المؤلف أسباب شهرة هذه الأسماء إلى أن الوليد بن مسلم كان كثيرا ما يحدث الناس بحديث أبي هريرة المتفق عليه ـ والذي يشير إجمالا إلى احصاء تسعة وتسعين اسما ـ ثم يتبعه في أغلب الأحيان بذكر هذه الاسماء التي توصل إليها كتفسير شخصى منه للحديث، وقد نقلت عنه مدرجة مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وألحقت أو بمعنى آخر ألصقت بالحديث النبوي.

وظن أغلب الناس بعد ذلك أنها نص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فحفظوها وانتشرت بين العامة والخاصة حتى الآن، ومع أن الإمام الترمذي عندما دون هذه الأسماء في سننه مدرجة مع الحديث النبوي نبه على غرابتها، وهو يقصد بغرابتها ضعفها وانعدام ثبوتها مع الحديث كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله، بل من الأمور الكثيرة التي لا يعرفها الكثيرون أن الأسماء التي كان الوليد بن مسلم يذكرها للناس لم تكن واحدة في كل مرة .

ولم تكن متطابقة قط، بل يتنوع اجتهاده عند الإلقاء فيذكر للناس أسماء أخرى مختلفة مما ذكره قبل ذلك، فالأسماء التي رواها عنه الطبراني في معجمه وضع الوليد فيها القائم الدائم بدلا من القابض الباسط اللذين وردا في رواية الترمذي المشهورة، واستبدل أيضا الرشيد بالشديد، والأعلى والمحيط والمالك بدلا من الودود والمجيد والحكيم.

وأيضا فإن الأسماء التي رواها عنه ابن حبان في صحيحه وضع فيها الرافع بدلا من المانع في رواية الترمذي وما رواه عنه ابن خزيمة في صحيحه وضع فيها الحاكم بدلا من الحكيم والقريب بديلا عن الرقيب و المولى بديلا عن الوالي والأحد مكان المغني.

وفي رواية البيهقي استبدل الوليد المقيت بديلا عن المغيث، ورويت عنه أيضا بعض الروايات اختلفت عن رواية الترمذي في ثلاثة وعشرين اسما، والعجيب أن الأسماء المدرجة في رواية الترمذي هي المشتهرة فقط.ويوضح المؤلف الشروط التي يتمكن من خلالها أي مسلم أن يتعرف بسهولة ويسر على كل اسم من الأسماء الحسنى، والدليل على تلك الشروط من كتاب الله:

ـ الشرط الأول: ثبوت الاسم نصا في القرآن الكريم أو صحيح السنة النبوية الشريفة: طالما أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في تعينها وسردها فلابد لاحصائها من وجود الاسم نصا في القرآن أو صحيح السنة.

وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالي: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) ولفظ الأسماء يدل على أنها معهودة موجودة، فالألف واللام للعهد، ولما كان دورنا حيال الأسماء هو الاحصاء دون الاشتقاق والإنشاء فإن الاحصاء لا يكون إلا لشيء موجود ومعهود، ولا يعرف ذلك إلا بما نص عليه القرآن، والسنة.

ـ الشرط الثاني: علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية: يشترط في جمع الأسماء الحسنى واحصائها من الكتاب والسنة أن يرد الاسم في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة كأن يدخل على الاسم حرف الجر كما في قوله: (وتوكل على الحي الذي لا يموت)، أو يرد الاسم منونا كقوله (سلام قولا من رب رحيم.

أو تدخل عليه ياء النداء كما ثبت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حي يا قيوم)، أو يكون الاسم معروفا بالألف واللام كقوله: (سبح اسم ربك الأعلى)، أو يكون المعني مسندا إليه محمولا عليه كقوله تعالي: (الرحمن فاسأل به خبيرا).

ـ الشرط الثالث: إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد: والمقصود بهذا الشرط أن يرد الاسم مطلقا دون تقييد ظاهر أو إضافة مقترنة بحيث يفيد المدح والثناء على الله بنفسه، لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر المضاف وشأنه، وقد ذكر الله أسماءه بطلاقة الحسن فقال: (ولله الأسماء الحسنى)، أي البالغة مطلق الحسن بلا حد ولا قيد، قال القرطبي: «وحسن الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع لإطلاقها والنص عليها».

ـ الشرط الرابع: دلالة الاسم على الوصف والمقصود بدلالة الاسم على الوصف أن يكون اسما على مسمى، لأن القرآن بين أن أسماء الله أعلام وأوصاف، فقال تعالي في الدلالة على علميتها:

(قل ادعو الله أو ادعو الرحمن أياما تدعو فله الأسماء الحسنى)، فكلها تدل على مسمى واحد، ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام إلى آخر ما ذكر في الدلالة على ذاته، وقال في كون أسمائه دالة على الأوصاف:

(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، فدعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره من ضعف أو فقر أو ظلم أو قهر أو مرض أو جهل أو غير ذلك من أحوال العباد.

القاهرة ـ مصطفى علي محمود

Email