في إنجاز علمي يفتح الأبواب أمام ثورة في تقنيات العرض البصري والواقع الافتراضي، تمكّن فريقان من علماء الفيزياء من تحطيم حاجز الحجم، ليصنعوا أصغر بكسل ضوئي (Pixel) في العالم، الذي يماثل في حجمه الفيروسات أو يكون أصغر من حبة الرمل بكثير. هذا البكسل الميكروسكوبي يعد خطوة عملاقة نحو شاشات لا يمكن للعين البشرية أن تدرك دقة تفاصيلها، ما يعزز دمج العالم الرقمي بالواقع.
الدقة الفائقة
للوهلة الأولى، يبدو البكسل كأنه نقطة ضوء عادية، لكن أبعاده الحقيقية تأخذه إلى عالم النانو. وقد تم الإعلان عن نهجين رئيسيين لهذا الإنجاز «النهج الألماني»، وهو الأنتينات البصرية والعضويات المضيئة، حيث نجح الباحثون في جامعة يوليوس ماكسيميليانس فورتسبورغ (JMU) بألمانيا، في تطوير بكسل ينبعث منه ضوء برتقالي، لا تتجاوز مساحته 300 نانومتر × 300 نانومتر. واعتمد الفريق على دمج ثنائيات الانبعاث الضوئي العضوية مع هوائيات بصرية معدنية، وتعمل هذه الأنتينات كـ«مكبرات ضوئية»، حيث تسمح بتغذية الديود العضوي بالتيار الكهربائي، وفي الوقت نفسه تقوم بتضخيم وإصدار الضوء المتولّد.
على الرغم من الحجم البالغ الصغر (النانومتري)، فإن هذا البكسل ينتج سطوعاً يماثل سطوع بكسل OLED تقليدي حجمه 5 ميكرومترات× 5 ميكرومترات، ما يحل معضلة انخفاض كفاءة الإضاءة عند التصغير.
النهج الآسيوي
في الصين، وبالتعاون مع جامعة كامبريدج، قام فريق من جامعة تشجيانغ بتطوير بكسلات أصغر حجماً من نوعها بتقنية LED، يصل حجمها إلى 90 نانومتراً فقط، أي ما يعادل حجم الفيروس تقريباً. واستخدم الباحثون بلورات «بيروفسكايت» بدلاً من أشباه الموصلات التقليدية، وهي مادة أثبتت كفاءة عالية في الحفاظ على سطوع وكفاءة الديودات حتى عند تقليص حجمها إلى أقصى الحدود.
مكّن هذا الإنجاز الفريق من تحقيق كثافة بكسل غير مسبوقة تبلغ 127,000 بكسل في البوصة الواحدة (PPI)، وهو رقم يضع معايير جديدة للدقة، ويتجاوز بكثير كثافة شاشات الهواتف الذكية الحديثة.
مستقبل باهر
يتجاوز الهدف من تصنيع هذه البكسلات الميكروسكوبية مجرد عرض إنجاز علمي، بل يهدف إلى تلبية احتياجات الجيل القادم من التكنولوجيا التي تعتمد على تقنية العرض القريب من العين، حيث لا تستطيع التقنيات الحالية توفير الدقة الكافية في مساحات صغيرة.
