كانت فكرة «تعتيم الشمس» سلاح البشرية السري لتبريد الكوكب ومواجهة الاحتباس الحراري. لكن ما كان يُعتبر حلاً عبقرياً مستوحى من ثورات البراكين، يتحول الآن إلى أخطر قرار يمكن أن تتخذه البشرية على الإطلاق.
دراسة جديدة صادمة
تُظهر دراسة جديدة صادمة من جامعة كولومبيا أن حُقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير (الطبقة العليا من الغلاف الجوي)، وهو النهج المعروف باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية (SAI)، قد لا يكون هو «الزر السحري» لإنقاذ المناخ، بل قد يكون صندوق باندورا الذي يُطلق الفوضى.
اعتمد مؤيدو تقنية (SAI) على محاكاة التبريد الطبيعي الذي حدث بعد انفجار بركان جبل بيناتوبو عام 1991، والذي خفض درجات الحرارة العالمية مؤقتاً. لكن فريق جامعة كولومبيا يصرخ محذراً «الواقع الفعلي لتطبيق هذه التقنية أبعد ما يكون عن «المثالية» الموجودة في النماذج النظرية».
تُحذر الدكتورة ف. فاي ماكنيل، عالمة الكيمياء الجوية، من أن المشكلة لا تكمن في الفكرة بحد ذاتها، بل في التفاصيل الشيطانية لتطبيقها:
الفوضى الجيوسياسية
تقول ماكنيل: «الأمر لا يقتصر على إطلاق خمسة تيراغرامات من الكبريت... بل المهم هو مكان وزمان حدوث ذلك».
حتى الاختلافات الطفيفة في خط العرض يمكن أن تُغير النتائج «جذرياً». فحقن المواد فوق القطبين قد يُعطّل أنظمة الرياح الموسمية الاستوائية، بينما الحقن قرب خط الاستواء قد يُغير دوران الحرارة بين نصفي الكرة الأرضية.
يشير الباحثون إلى أن التنفيذ الفعّال يتطلب تنسيقاً مركزياً عالمياً، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً في ظل الحقائق الجيوسياسية الحالية.
دروس «بيناتوبو» المُرعبة
بينما برّد ثوران بركان بيناتوبو الأرض، فإنه أيضاً عطّل نظام الرياح الموسمية الهندية، مما سبب نقصاً في الأمطار بجنوب آسيا، وتسبب في استنفاد طبقة الأوزون، بالإضافة إلى مخاوف من الأمطار الحمضية إذا استخدمنا مركبات الكبريت في تقنية SAI.
لأن الكبريتات تحمل مخاطر بيئية، اقترح العلماء بدائل معدنية «أكثر أماناً» مثل كربونات الكالسيوم أو الماس. لكن هنا تظهر العقبة الاقتصادية والتقنية الكبرى
تشير ميراندا هاك، المؤلفة الرئيسية للدراسة، إلى أن «الماس مهيأ بصريًا للمهمة، ولكن ببساطة لا يتوفر منه ما يكفي».
حتى البدائل المتوفرة، مثل الروتيل التيتانيا، قد تتسبب زيادة الطلب عليها في انهيار سلاسل التوريد ورفع تكلفتها بشكل فلكي.
التكتل الفتاك للجسيمات
في النماذج، تكون الجسيمات «مثالية». لكن في الواقع، عند الحجم الضئيل المطلوب لتقنية (SAI)، تميل البدائل المعدنية إلى التكتل في تجمعات أكبر.
الجسيمات المنفردة
تؤكد هاك: هذه التكتلات «أقل فعالية بكثير» في تقليل ضوء الشمس من الجسيمات المنفردة، مما يعني أننا لن نرى أنواع الفوائد المناخية التي نوقشت نظرياً، بينما قد نرى العواقب الجانبية.
خلصت الدراسة، التي نُشرت في مجلة «التقارير العلمية، إلى أن المتحمسين لتقنية تعتيم الشمس يتجاهلون عمداً مدى عدم اليقين والتحديات اللوجستية والمخاطر السياسية والبيئية.
إن «الهندسة الجيولوجية الشمسية» هي سلاح ذو حدين، قد يُطلق مناخاً «معدلاً» ولكنه غير مستقر وغير متوقع، حيث قد تُغرق الأمطار دولة بينما تجفف أخرى، كل ذلك بناءً على مجرد خطأ بسيط في توقيت أو موقع الحقن.
