في خطوة تاريخية تؤكد هيمنة القطاع الخاص على سباق الفضاء ما بعد محطة الفضاء الدولية (ISS)، يتسابق المليارديرات والشركات الناشئة لإنشاء أولى «المحطات الفضائية التجارية» بالكامل. هذا التحول لا يمثل نهاية حقبة المحطات الحكومية التي استمرت عقوداً، بل يمثل بزوغ فجر «اقتصاد المدار الأرضي المنخفض» (LEO Economy)، حيث يصبح الفضاء بيئة عمل واستيطان خاصة ومربحة.بحسب ناسا
بداية عصر التجارة
بعد أكثر من ربع قرن من التعاون الحكومي الذي كلف ما يزيد على 100 مليار دولار، تستعد وكالة ناسا لإنهاء مهمة محطة الفضاء الدولية (ISS) وإخراجها من المدار وإسقاطها في منطقة «نقطة نيمو» في المحيط الهادئ بحلول عام 2030. وتحول ناسا تركيزها الآن نحو «برنامج أرتميس» للعودة إلى القمر والمريخ، تاركة مهمة الحفاظ على وجود بشري مستمر في المدار الأرضي المنخفض للقطاع الخاص. ومن هنا، ولدت الرؤية الطموحة لإنشاء محطات فضائية تجارية.
«فاست» و«أكسيوم» تقودان السباق
تتصدر شركتان أمريكيتان مشهد إنشاء أولى المحطات الفضائية الممولة بالكامل من القطاع الخاص وهما محطة «هافن-1» (Haven-1) لشركة «فاست» (Vast)، حيث أعلن الملياردير والمبرمج الأمريكي جيد ماكالب (Jed McCaleb)، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Vast، عن تخصيص 300 مليون دولار للشركة، ما يؤكد التمويل الخاص للمشروع.
وتخطط Vast لإطلاق المحطة «هافن-1» بالتعاون مع SpaceX، التي ستوفر مركبة الإطلاق «فالكون 9» وكبسولة «دراغون» لنقل الطاقم. ومن المتوقع أن يتم الإطلاق بحلول مايو 2026.
المحطة الجديدة مصممة لتكون «أكثر حداثة ورحابة» من محطة الفضاء الدولية، وتضم ديكورات داخلية من خشب القيقب، وأربعة أماكن خاصة للطاقم بحجم سرير كوين (Queen Size) تقريباً، ونظام نوم مميز قيد انتظار براءة اختراع، بالإضافة إلى صالة ألعاب رياضية ومنطقة مشتركة مساحتها 24 متراً مكعباً. هذا التركيز على الراحة الفائقة والتصميم الجمالي هو ما يميز المحطات التجارية الموجهة للسياحة الفضائية والبعثات الخاصة.
محطة «أكسيوم ستيشن»
كما تعتبر Axiom Space الباني والمشغل المستقبلي لـ «أكسيوم ستيشن»، والتي توصف بأنها الوريث لمحطة الفضاء الدولية. هي الشريك الثاني في السباق المداري الجديد خلفاً لناسا التي تتعاقد بحلول عام 2030 وبدأت Axiom بتنفيذ مهام خاصة لرواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية (مثل مهمة Ax-2 التي حملت رائد فضاء سعودي). وتعتمد خطتها على نظام وحدات (Modular System):
الوحدة الأولى (PPTM) وحدة الطاقة والحرارة والحمولة ، والمقرر إطلاقها في موعد أقصاه 2027 لترسو مبدئياً على محطة الفضاء الدولية.
الوحدة الثانية (Hab-1) وحدة الموئل (Habitat One)، والمقرر إطلاقها في موعد أقصاه 2028. ستفصل PPTM نفسها عن محطة الفضاء الدولية لتلتحم بـ Hab-1 لتشكيل محطة «أكسيوم ستيشن» المستقلة والمحلقة بحرية.
تحتوي الوحدة الثانية على أربع مقصورات للطاقم، ونوافذ كبيرة لمشاهدة الأرض، وتستوعب تطبيقات البحث والتصنيع الفضائي، بالإضافة إلى مركز مداري لمعالجة البيانات ، ما يحول المدار الأرضي المنخفض إلى «سوق عالمية» للبيانات والأبحاث.
هذه المحطات الفضائية الخاصة لا تهدف فقط لـ «السياحة الفضائية»، بل تفتح آفاقاً اقتصادية وعلمية جديدة وتوفير بيئة جاذبية صغرى مستقرة ومدارة لإنتاج مواد ذات قيمة عالية لا يمكن تصنيعها على الأرض، مثل بعض أشباه الموصلات والألياف البصرية، كما أعلنت Axiom Space عن مذكرة تفاهم مع شركة Resonac لتطوير تصنيع أشباه الموصلات في الفضاء.
