كيلومتراً في الثانية، هي الحد الأقصى المطلق للسرعة في كوننا. فوفقاً لقوانين الفيزياء، لا يمكن لأي جسم ذي كتلة أن يتجاوز هذا الحاجز. لكن، ما رأيك لو قيل لك إن علماء الفلك يرصدون باستمرار «انفجارات» و«بقعاً ضوئية»، تبدو وكأنها أسرع من الضوء؟.
النجوم النيوترونية
هذه الظواهر، التي كانت تُعتبر في السابق مجرد غرائب في البيانات الفلكية، يتم الآن إعادة تقييمها، باعتبارها أدوات قوية لكشف أسرار بعض الظواهر الأكثر عنفاً وغموضاً في الكون، مثل النجوم النيوترونية وانفجارات أشعة غاما.
وهم الليزر السر وراء السرعة الخارقة؟ وللإجابة عن سؤال «كيف يمكن أن يحدث ذلك؟» دون كسر قوانين الفيزياء، يمكننا القيام بتجربة فكرية بسيطة: تخيّل أنك تُسلط شعاع ليزر قوياً على سطح القمر، ثم تُحركه بسرعة فائقة جداً عبر السطح. إن النقطة الضوئية الناتجة على القمر، ستعبر آلاف الكيلومترات في جزء ضئيل من الثانية، أسرع من سرعة الضوء نفسها!
أقل من سرعة الضوء
يشرح عالم الفيزياء الفلكية روبرت نيميروف من جامعة ميشيغان التقنية هذا المبدأ: «لا شيء ذو كتلة يمكنه التسارع من أقل من سرعة الضوء إلى أعلى منها. لكن الظلال وبقع الليزر وواجهات الإضاءة يمكنها، وهي تفعل، أن تتحرك أسرع من الضوء حولنا طوال الوقت».
إن السر يكمن في أن هذه السرعة الخارقة، ليست ناتجة عن حركة المادة، بل عن حركة نقطة الإضاءة، أو ما يُعرف بـ «وهم بصري كوني».
في الفضاء الحقيقي، تُرى هذه الأوهام بشكل خاص في الظواهر التي تنطوي على إطلاق هائل للطاقة، مثل انفجارات أشعة غاما (GRBs)، وهي أقوى الانفجارات المعروفة في الكون، الناتجة عن انهيار النجوم العملاقة، أو اندماج النجوم النيوترونية.
والمستعرات العظمى (Supernovae)، وهي الانفجارات التي تُمثل نهاية حياة نجم. وتدفقات النفاثات (Jets) من الثقوب السوداء، حيث تُطلق المادة بسرعات قريبة جداً من سرعة الضوء.
الصدى الضوئي
في هذه السيناريوهات، غالباً ما يُشاهد «الصدى الضوئي» للانفجار ينتشر عبر الغاز والغبار المحيط به. ونظراً لأن هذا الضوء يصل إلى تلسكوباتنا من زوايا مختلفة (ليست عمودية)، فإن توقيت وصوله يخلق وهماً مرئياً، يجعل الواجهة الضوئية تبدو وكأنها تتوسع أسرع من سرعة الضوء الحقيقية.
ووفقاً لنيميروف، فإن دراسة هذه «الأوهام العابرة»، أو الأصداء الضوئية، يمكن أن تكشف عن تفاصيل دقيقة حول التوزيع الدقيق للغاز والغبار حول النجم المنهار، وهي معلومات قد تكون خفية، ولا يمكن رصدها بأي طريقة أخرى. بل ويقترح نيميروف نوعاً جديداً من الأوهام، يبدو وكأنه ينتقل عبر الزمن، قد يكشف عن خبايا بعض أكثر الظواهر غموضاً في كوننا.
مع بدء عمل مراصد جديدة وقوية، مثل مرصد فيرا سي. روبين (Vera C. Rubin Observatory)، الذي سيقوم بمسح السماء بالكامل بوتيرة سريعة، يتوقع العلماء أن تزداد وتيرة رصد هذه الظواهر بشكل كبير، ما يمنحنا نافذة غير مسبوقة على ديناميكيات الانفجارات الكونية الأضخم.
وقد لا تكون هذه «السرعة الفائقة» خرقاً لقانون الفيزياء، بل هي مجرد تحدٍ لقدرتنا على الملاحظة. وتُعلمنا هذه الأوهام الكونية أن الأسرار الأكثر إثارة للاهتمام في الكون، قد لا تكمن في ما هو أسرع من الضوء، بل في الطريقة التي يتفاعل بها الضوء مع محيطه الهائل.
