التوائم الرقمية.. قفزة استراتيجية تقود الشرق الأوسط للريادة العالمية


لم تعد التوائم الرقمية (Digital Twins) مجرد مفهوم مستقبلي، بل تحولت إلى محرك استراتيجي يقتحم القطاعات الحيوية في الشرق الأوسط، محدثاً تحولاً جذرياً في كيفية إدارة الأصول والمدن. هذه النماذج الافتراضية الشاملة، التي تحاكي الأصول المادية والعمليات بدقة فائقة عبر بيانات لحظية، تتحول إلى «النسخة الموازية» التي تعتمد عليها اقتصادات المنطقة في سعيها للريادة العالمية وتنويع مصادر الدخل. بحسب PMC/PubMed Central -  Dubai Metaverse Strategy

يشهد سوق التوائم الرقمية في الشرق الأوسط وأفريقيا طفرة نمو استثنائية، مدفوعة بضخ الاستثمارات في البنية التحتية الذكية ومبادرات «الصناعة 4.0».
قدرت قيمة السوق بنحو 518 مليون دولار أمريكي في عام 2023. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 35.5% حتى عام 2031، وفقاً لتقارير متخصصة. هذا النمو ليس اعتباطياً، بل هو نتيجة لتبني الدول الرئيسية في المنطقة لهذه التكنولوجيا كركيزة أساسية لمرونتها الاقتصادية والتشغيلية، ما يضمن تقليل فترات التوقف وابتكار نماذج جديدة للمرونة.

من «نيوم» إلى «ميتافيرس دبي»
تعد مشاريع التوائم الرقمية على مستوى المدن هي الأبرز في المنطقة، حيث انتقلت من مجرد محاكاة للأشياء الفردية إلى محاكاة لنظم بيئية حضرية كاملة
تستخدم التوائم الرقمية في مشروع «نيوم» العملاق لتقييم سيناريوهات «ماذا لو» خلال مرحلة التصميم. فمن محاكاة تأثيرات الاستمطار السحابي على رطوبة المناطق الحضرية إلى التحقق من تأثير ممرات النقل الجديدة على الازدحام، تساعد النماذج الرقمية في اتخاذ القرارات بناءً على بيانات مباشرة وتنبؤية.
كما تهدف دبي إلى ترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً للاقتصاد الافتراضي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق ما لا يقل عن 40 ألف وظيفة افتراضية إضافية والمساهمة بما يصل إلى 4 مليارات دولار أمريكي في الناتج المحلي الإجمالي للمدينة بحلول عام 2030 (حسب تقرير لـ PwC). وتعد التوائم الرقمية أحد المحاور الرئيسية الخمسة التي تركز عليها هذه الاستراتيجية.

الصحة والطاقة والتصنيع
تتبنى المستشفيات في المنطقة نسخاً رقمية للمعدات الطبية والمرضى، تستخدم التوائم الرقمية لدعم اتخاذ القرارات السريرية وتخصيص خطط العلاج (كالتخطيط الجراحي). وقد أظهرت المشاريع التجريبية نتائج واعدة، حيث نجحت في تقليل أوقات انتظار المرضى بنسبة تصل إلى 15%.
وفي قطاع التصنيع شديد التنافسية، تحولت الشركات من الصيانة التفاعلية إلى العمليات التنبؤية. أفادت الشركات التي اعتمدت التوائم الرقمية بـ انخفاض في وقت التوقف غير المخطط له بنسبة تصل إلى 30%. وفي قطاع الطاقة، ساهمت النسخ الافتراضية لخطوط الأنابيب والشبكات في خفض تكاليف الصيانة التصحيحية بنسبة 15% وإطالة عمر المعدات بنسبة 20%.
البيانات وقابلية التشغيل البيني
على الرغم من الاندفاع الكبير نحو التبني، تواجه التوائم الرقمية تحديات محورية يجب تجاوزها لتأمين مستقبل هذه التقنية، حيث يتطلب بناء توائم رقمية دقيقة تدفقاً ضخماً من البيانات عالية الجودة والموثوقية، ما يفرض على المؤسسات الاستثمار في أجهزة استشعار متكاملة وشاملة.
لا تزال معايير التوافق بين الأنظمة (Interoperability) قيد التطوير. فمن دون معايير واضحة، قد تتحول التوائم الرقمية إلى «صوامع معزولة» غير قادرة على التفاعل بشكل فعال.

الأمن السيبراني
مع تزايد الاعتماد على البيانات الحساسة، تزداد الحاجة إلى بروتوكولات أمان متقدمة وقواعد واضحة تحكم توطين البيانات وشفافية النماذج والاستخدام الأخلاقي.
إن اعتماد التوائم الرقمية في الشرق الأوسط ليس مجرد مواكبة لموجة تكنولوجية عابرة، بل هو ضرورة استراتيجية تهدف إلى بناء بيئات حضرية وصناعية أكثر ذكاءً ومرونة. إذا نجحت المنطقة في معالجة تحديات البيانات والحوكمة، فإن هذه النسخ الافتراضية لن تعكس الواقع فحسب، بل ستكون قادرة على تحسينه بشكل جذري، محفزة بذلك الجيل القادم من النمو الاقتصادي المستدام.