في الإمارات تحديداً كان للجدة دور مهم داخل الأسرة في السابق، فهي المربية والمدرسة والمطوعة والطبيبة الشعبية والقابلة. وكان في كل حي أو فريج توجد واحدة أو اثنتان من الجدات المتخصصات بالعلاج الشعبي، أي أن الجدة كانت تؤدي عدة أعمال أو أدوار في وقت واحد.
دور الجدة كان واضحاً في توجيه الأبناء تربوياً، وتقديم النصائح لحفيداتها خاصة في كيفية التعامل مع الزوج لتفادي المشكلات الأسرية، والخلافات التي تحدث بين الزوجين من خلال الحوار وإعطاء الزوجة النصح والإرشاد والتوجيه السليم، للتغلب على الصعاب التي تواجه حياتها الزوجية.
الجدة إدارية مبدعة
لقد كانت الجدة للأسرة كـ(النوخذة في السفينة)، فهي نوخذة تدير دفة الأسرة من جانب، ومن جانب آخر كانت مبدعة في سرد الحكايات الشعبية أو الخراريف الهادفة وذات الدروس والعبر، حيث كان يجتمع حولها أحفادها وحفيداتها إضافة إلى الأطفال والصبية من الأقارب، ويستمعون إلى الحكاية بإصغاء شديد ليستخلصوا العبرة والحكمة في نهاية الخروفة.
كان للجدات مجالس خاصة في كل فريج يتم فيه تبادل الآراء والاستشارات وتقديمها للنساء اللواتي يعانين من مشاكل معينة، خاصة أن تجربة وخبرة الجدة في الحياة تؤهلها لمثل هذه المهمة التي تقدمها من منطلق الإفادة من دون أي مقابل، ولا وفق معايير مادية كما هو حال علاقات الناس الإنسانية في عصرنا الحالي، كذلك كانت الجدة صاحبة القرار في توزيع المأكولات على الجيران، وهذه العادة السمحة ترتبط مع أهمية طرح شعار (الترابط).
كذلك كانت الجدة موضع احترام وتقديـر من قبل كافة سكان الفريج، وكان الأطفال ينادونها (يدوه) منذ الصباح ويتوجهون إليها ويقبلون يديها، وكان لهذا السلوك أثر طيب في نمو شخصياتهم مستقبلاً، كما كان للجدة دور مساند للأم في التربية الخاصة بالأبناء، فقد كانت تشرف على تعليمهم أصول المشي والكلام من خلال كلمات وأهازيج وأغانٍ شعبية ترددها، لتحثهم على ذلك مثل (المهاواه) أي ترديد كلمة (هوَّا هوَّا) وإلحاقها بذكر الله عند تنويم الطفل.
كما كانت تغني لهم الأغاني الشعبية الخاصة بالطقوس المختلفة المرافقة لكافة المناسبات التي يمر بها الإنسـان في مرحلة الطفولة كالمشي والكلام والتسنين، والتمكن من تعلم النظافة، فتحرص على حض الأحفاد على تعلم مبادئ النظافة الأولى بمفردهم. وكانت كلمة (يدّوه) أولى الكلمات التي ينطقها الطفل.
ظهر الحماية الخبير
كما كان للجدة دور كبير ورئيس للدفاع عن الأطفال وحمايتهم من العقاب، وكم تكرر مشهد الاحفاد وهم يختبئون خلف ظهرها للاحتماء بها. وكانت الجدة اليد المعطاء لأحفادها وحفيداتها، حيث لا تبخل عليهم بشيء، وتعطيهم النقود والحلوى، وكان دورها هو نفسه بالنسبة لسكان الحضر والبادية أو سكان الريف. كما كانت الجـدة تقوم بغزل الصوف وتشارك في صناعة التلي والسرود والخياطة وتعلــم الأطفال مبادئ الدين الإسلامي وطرق وأساليــب العبادة في جلسات العريش.
بعــد هذا السرد ندرك أن التواصل مع هــذا النمـــوذج من العناصر في الأسرة هو ضرورة لنسج علاقــة إنسانية عميقــة مع مخزون الجدات الثري من التوجيهات والمشاعر والنصائح والتجارب التي لا تنضب، والتي من شأنها أن تجنب أفراد الأسرة الكثيــر الكثير من المزالق والمشاكل والأزمات وخاصة النشء من الأحفاد والحفيدات، وحديثي الزواج منهم.
