حقن الدماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشيخ زايد رحمه الله: «البترول العربي ليس بأغلى من الدَّم العربي».

وهذا من حرصه، رحمه الله، على حقن الدماء، فالإنسان بُنيان الله، وهو محلُّ التكليف من الخلق، رُوحه وديعةُ الله فيه، ودمُه أمانةٌ تنسابُ في أورِدَته ومجاريه، خلقَه وسوَّاه ونفخَ فيه من روحه، فأعظمُ الإثم وأشدُّ الحَوْب: أن يعتدي مُعتدٍ فيهدِم ذلك البُنيان، ويستلِبَ تلك الروح، ويُهدِر ذلك الدم، كائنًا من كان المُعتدِي وكائنًا من كان المُعتدَى عليه.

لذلك كانت حُرمة الدم أشدَّ من حُرمة الكعبة، وكان زوالُ الدين أهون عند الله من قتل رجلٍ.

إن مكانة الفرد في الإسلام رسالةٌ مُقدَّسةٌ تنزَّلت من رب العالمين: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).. وعيدٌ شديد لا يحتاج إلى شرحٍ أو تعقيب.

لقد جاء الإسلام يوم جاء والعربُ ترفُلُ في ثيابٍ من الجهل، حُرمة البهيمة عند بعضهم أشد من حُرمة الإنسان، فلأجل ناقة البَسُوس امتدَّت حربٌ بين العرب لعقود، وذهَبَت فيها كثيرٌ من الأرواح، وانتقَضَت جراحٌ وسالَت شِعابٌ من الدماء، وكانت الحربُ بين الحيَّيْن من العرب تقومُ بسبب بيتٍ من الشعر أو كلمة، وقال قائلُهم: وأمرُ الحرب مبدأُه كلام.

وكلما خبَت أنوار العلم في أمة، وتضاءَل الدينُ في نفوس أفرادها؛ كلما اقتبَسوا من تلك الجاهلية شُعَلاً، واستمدُّوا من جهلها جهلاً، إلى أن جاء الإسلام فكرَّم الإنسان، وعظَّم مسألة الدماء؛ فأكَّد القرآنُ الكريمُ شريعةً غابرةً من شرائع بني إسرائيل، فقال الله - عز وجل -: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

لأن الاستهانة بحياة واحدٍ هي استهانةٌ بحياة الناس كلهم، وقتلُ النفس الواحدة هو بمثابة قتل الإنسانية جمعاء، فجعل الواحدَ يُساوي أمةً في حُرمة دمه، بعكس الجاهلية التي جعلت الأمةَ من الناس تُساوي واحدًا، إلا أنه عند الإحياء جعل القرآنُ إحياءَ الواحد يُساوي إحياءَ أمة.

وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يزال المسلمُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا»؛ رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسَه فيها: سفكَ الدم الحرام بغير حِلِّه»؛ رواه البخاري.

وفي التنزيل العزيز: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68، 69].

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يُقضَى بين الناس في الدماء»؛ أخرجه البخاري ومسلم.

وفي الصحيحين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أكبرُ الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس..» الحديث.

 

واعظ ديني في وزارة الداخلية

Email