محاربة الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الشيخ زايد رحمه الله تعالى: «إن الإرهاب بغيض من وجهة نظر الإسلام والديانات السماوية الأخرى، وهو عدو لدود للإنسانية جمعاء».

وقد تحدَّث القرآن عن بعضِ صُوَر الإرهاب، ومن ذلك ما ذكره الله تعالى عن المفسِدين من قومِ ثمودَ في قوله تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)، ومِن صورِه إرهابُ فرعون لما آمَن السحرة، كما قال تعالى على لسانه: (فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى)، ومِن صوَر الإرهابِ ما بيّنته الآيات عن أصحابِ الأخدود الذين حفِرَت لهم الحفَر، وأُضرِمَت فيها النار، وأُلقوا فيها وهم أحياء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).

والإرهابُ في عصرِنا يمثِّل قضيّةَ الساعة وخطَرَ المستقبل، يتولَّد عن خطَأ في المعتَقَد والفكرِ والسلوك ومِن عدَمِ التّعايُشِ مَع الواقِعِ وعدَم الرّغبة في صناعَةِ المستَقبَل، فقد ينتج عن مَطمَع دنيوي أو يأس مع النفسِ أو انتقامٍ شِرّير.

ومِن ذلك تكفيرُهم المسلمين وقتلُ المستَأمَنين، وإعلانُهم الخروجَ عن طاعة وليِّ الأمر واعتداؤهُم على الممتَلَكات وسَعيُهم إلى الإخلالِ بالأمن وترويعُهم الآمنين في البلدان وإشاعةُ الفوضى، فالإرهاب لا يرتبِط بدينٍ ولا وطن ولا أمّة، بل هو بضاعةُ إبليس يزرَعها في فكرِ من ضلَّ سعيُه وخاب عمَلُه، وقد عمَّ العالمَ ضرَرُ الإرهاب وتطايَر شررُه.

لقد سبَق الإسلامُ جميعَ القوانين في مكافحَةِ الإرهاب وحمايةِ المجتمعات من شروره، وفي مقدّمة ذلك حفظُ الإنسانِ وحماية حياتِه وعِرضه وماله ودينه وعقله، من خلال حدودٍ واضحة منعَ الإسلام تجاوُزها. إنّه دينٌ يحمِي الكَرامةَ والحياةَ الإنسانيّة، وجعل من قتل أيَّ نفسٍ بغير حقٍّ بمثابة قتلِ الناس جميعًا: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]. وتحقيقًا لهذا التّكريم مَنعَ الإسلام بغيَ الإنسان على أخيه، وحرَّم كلَّ عملٍ يلحِق الظلمَ به، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:33].

وشنّع على الذين يؤذون الناسَ في أرجاءِ الأرض، فقال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ).

الإسلام دينُ الرحمة، ورحمته صلواتُ الله وسلامُه عليه امتدَّت لتشمَلَ الحيوانَ والنبات، بل كلّ شؤون الحياة، ألم يشِر صلوات الله وسلامُه عليه إلى أنّ رجلاً دخل الجنّةَ في كلبٍ سقاه، وامرأةً دخلت النارَ في هِرّة حبَستها، لا هي أطعَمتَها ولا هي ترَكتها تأكل من خشاش الأرض؟! ألم يدعُ صلوات الله وسلامه عليه إلى عِمارة الكون وإحياء المواتِ مِنَ الأرض: «من أحيا أرضاً ميّتة فهي له».

هذا هو نهجُ الإسلام، دين التعميرِ والبِناء، لا التدمير والإفساد. حاربَ الإسلام الإرهابَ بتحريمه بكلِّ وسيلةٍ غير مشروعة يُتَوصَّل بها إلى هدفٍ مشروع، فالغاية في الإسلامِ لا تسوِّغ الوسيلةَ، فلا بدّ من مشروعيّة الغاية وما يُتَوَصّل به إليها، كلُّ ذلك ليحقَّقَ الاستقرار ويعُمَّ الأمن والأمان في المجتمعات.

دينُنا دين العدل والإحسان، أمر المسلمين أن يعدِلوا مع إخوانهم وغيرِ إخوانهم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) أي: شهداءَ بالعدل، تقولون العدلَ وتعملون به، تطبِّقونه على أنفسكم وعلى غيركم، وقال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) أي: لا تحملكُم عداوتُكم لبعض الناس أن تجوروا، ولم ينهَ الله المسلمين عن الإحسانِ لغيرهم وبِرِّهم إذا لم يقاتِلوهم ويخرجوهم من ديارهم، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ).

دينُنا أمر بطاعة وليّ الأمر بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئاً يكرهُه فليصبِر عليه، فإنّه من فارق الجماعةَ شبرًا فمات إلا ماتَ ميتةً جاهلية».

Email