هداية القرآن للإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

القرآن الكريم هو الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم في هذه الحياة ليسعد المرء في الحياة وبعد الممات، كما قال المولى جلّ ذكره: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا* وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} فهي هداية عامة لكل ما هو أعدل وأكمل وأفضل، والمفاضلة ليست على بابها، وإنما هي للتقريب، وإلا فإنه لا هادي للخيرات إلا القرآن الكريم والنبي المصطفى الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أوتي القرآن ومثله معه، فكان أمره عليه الصلاة والسلام ونهيه ووعده ووعيده من معين القرآن، كما قال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إني أوتيت الكتاب، ومثله معه»، ولذلك قال القرآن {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقال {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فأمر بطاعته مطلقاً وأخبر بأن طاعته من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله تعالى، وأن ما يأتي به هو أحد الوحيين، فالقرآن هاد للتي هي أقوم.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يهدي إلى الصراط المستقيم، والهداية التي أتى بها القرآن والسنة هداية عامة للدين والدنيا والفرد والجماعة، فهي هداية للإيمان؛ فقد أرشد إلى ما يجب أن يكون عليه العبد من الإيمان الصحيح الخالي من شوائب الشرك والوثنية، ومن شوائب الرياء والسمعة، ومن شوائب حظوظ النفس والهوى، حتى يتحلى العبد بكمال الإيمان ويتخلى عن نواقضه سراً وجهراً كما قال الله جل ذكره: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} والخالص هو الذي ابتغي به وجهه سبحانه من غير شائبة، وهو هداية للقيم والأخلاق فجاء بكل بخلق سني، ونهى عن كل خلق دني.

وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، ليتمم مكارم الأخلاق وجميل الشيم والعادات، فأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأمر بعبادة الإله المستحق للعبادة، وأمر بصلة الأرحام، وأداء الحقوق، وإكرام الضيف، ونصرة المظلوم، والتعاون على البر والتقوى، ورحمة الضعيف، وتوقير الكبير وأمر بكرم النفس، وهدى المجتمع لإقامة الأسر المتماسكة المحافظة، وصيانة الأعراض والأنساب، وإقامة وشائج القربى، وهدى إلى الكسب الحلال وعمارة الأرض بالخيرات على وجه الإنصاف والعدل والقسط بين الناس، ونهى عن التهارج في الدنيا والتغالب فيها على غير وجه الحق، لما في ذلك من الظلم والفساد، وهدى إلى الحفاظ على الكليات الخمس التي تستقيم بها الحياة العادلة، وهي المقاصد الكلية في الشريعة الإسلامية وكل الديانات السماوية من حفظ الدين والنفس العرض والعقل والمال، وجعل للحفاظ عليها حدوداً أوجب على كل مسلم مسلمة صيانتها من التعدي حتى يقوم الميزان بين الناس بالقسط..

كل ذلك من هداية القرآن للتي هي أقوم، وهداية النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الصراط المستقيم، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يبين ذلك بقوله وفعله، لذلك كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه، وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد.. والمسلم حينما يُعنى بالقرآن الكريم ويتلوه حق تلاوته ويستشعر هدايته للتي هي أقوم يكون قرآنياً في سلوكه وعباداته، فيزعه القرآن عن انتهاك محارمه، ويقوده إلى الخير والرشاد كما قال ابن مسعود، رضي الله عنه، وهو يصف أحوال الناس مع هذا القرآن العظيم: «إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه. قليل من يسأل كثير من يعطي؛ يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة يبدون أعمالهم قبل أهوائهم.

وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يُبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم».

فليحرص المسلم على أن يكون ممن يتلوه حق تلاوته، ويتحلى به في سلوكه وهديه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، في قول الله عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} قال: «يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه».

نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.

 

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email