نوافل الطاعات

ت + ت - الحجم الطبيعي

نوافل الطاعات في شهر رمضان ليست كالنوافل في سائر العام، فإنها تشرف وتفضل بفضل الزمان كمضاعفتها بالمكان، فتتضاعف أضعافاً مضاعفة، فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة، لأن الله شرفه بجعله زماناً لأحب العبادات إليه، وجعله زماناً لتنزل أعظم كتبه، وجعله زماناً لنزول وحيه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل فيه ليلة تفضل ألف ليلة.

فهو موسم الإقبال على الله تعالى بالكلية، والبعد عن التراخي والفتور بالكلية أيضا، ولذلك حث النبي عليه الصلاة والسلام أمته على اغتنامه بنوافل الطاعات فضلا عن فرائضها كما روى سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس، قد أظلكم -أي أقبل عليكم- شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله فيه صيامه، وجعل قيام ليله تطوعاً، فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة، فهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائماً كان له عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه.

قيل: يا رسول الله، ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم؟ قال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن، أو تمر، أو شربة ماء، ومن أشبع صائماً كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ومن خفف فيه عن مملوك أعتقه الله من النار.

هكذا يعدد النبي عليه الصلاة والسلام أبواب الخير فيه، التي قد لا يتفطن لها الناس، ليؤدي كل واحد ما استطاع منها حتى لا يحرم الخير الذي يصبه الله تعالى في هذا الشهر صبا، لاسيما وقد أعان الله تعالى فيه عباده بحجب شياطين الجن عن أن يسولوا للمسلم ترك الطاعات، أو يوقعوهم في السيئات، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة «ينادى منادي الله تعالى: يا باغي الخير أقبل، أي على الله تعالى فيما يريده منك وما خلقك لأجله، وما يكون زادك للقائه، وما تجده في صحائفك التي تأخذها بيمينك مِن أمامك، وما تُسر به في حياتك وبعد مماتك، وما يسر حبيبك ونبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي تعرض عليه أعمالك، حيث استجبت لله والرسول إذا دعاك لما يحييك، وكذلك ينادي باغي الشر أن يقصر عن فعله أو التفكير فيه؛ فإنه سيسوؤه يوم العرض على الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافيه، وسيكون زاده إلى النار وبئس القرار.

وإن الله سبحانه يحب التوابين، ويحب المتقربين إليه بالنوافل كما روى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءتِه».

وفي رواية أخرى عن ميمونة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: «من آذى لي وليا فقد استحق محاربتي، وما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء فرائضي، وإنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، وإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موته، وذلك أنه يكرهه، وأنا أكره مساءتِه».

وكل ذلك كناية لتقريب معنى محبة الله تعالى للعبد ومعيته معه حتى يهديه ويحميه.

Ⅶكبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدبي

Email