زايد في عيون الشعراء 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المسلّم لدى الشعراء، أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان شاعراً بالفطرة، وكان يكتب الشعر بالنبطية، وما عرف عنه أنه كتب بالفصحى، وأنه بدأ في قرض الشعر مبكراً، إلا أنه لم يمارس هواية الشعر ممارسة تصبح وكأنه لا عمل له سواه، كما يفعل الشعراء الآخرون، بحيث يصبح الشعر الشغل الشاغل لهم. وإنما انصرف إلى أمور حياتية مجتمعية أخرى أكثر أهمية في نظره، ولا سيما أنه سليل أسرة عريقة في الحكم في منطقة بدوية، ففكر في توحيد البلاد وتأسيس دولة، فعل ذلك ليعود إلى الشعر في الوقت المناسب.

نعم... انشغل زايد بأمور كثيرة نفعت البلاد والعباد، ولكن جذوة الشعر في نفسه لم تنطفئ، فعاد ينظم الشعر في أوقات فراغه، مستوحياً أخيلته من صفاء البادية ونقاء الأمطار، وجمال عيون المها، ورقة النسيم وأريج الأزهار، وشموخ النخيل واندفاع مياه الأفلاج. وزايد، رحمه الله، معروف عنه أنه كان محباً للأماكن والأزمنة، وولعاً بالبر والبحر والخيل والغزال والطير. وكان يحبّ الدنيا وجمالها، ومعروف أنه زار عدداً من بلدان العالم، وشاهد ما شاهد من الجمال والكمال، إلا أنه بعد عودته من تلك البلاد، لم يذكر ذلك الجمال الذي رآه خارج أرضه ووطنه، وقد رأينا أن كلّ ما ذكر من جمال في أشعاره فهو جمال بلاده. وما أدل على ما أقول من هذه القصيدة التي هي بعنوان دنيا:

دنيا مَحْلا وطرها

                  فيهـــا زهت لانـوار

كثر الخير أوشجرها

                   وتوفرت لاثمــــار

ياها السعد أوغمرها

                      من والي الأقدار

عمّ البـــــر أوبحـــــرها

                  وفاضت بها الأنهار

تتفسح في شجرها

                  وورودها والازهار

فيها المها مَكثرها

                   واريومها والامهار

يا سعد اللي نظرها

                   وتحف بها الأسرار

نحمد لذي صورها

                     واوهب لها لخيار

أوعظّمها في قدرها

                        إبجاه واعتبار

وإن شئت فخذ مثالاً آخر كقصيدة بينونة التي يقول فيها:

يعل نوّ بانت امزونه

                  يسجي الظفره أويرويها

لين يزخر عشب بينونه

                    والغزر تسقي سواقيها

والرمل يعشب أويرعونه

                       والبدو تزهي مبانيها

ويستجي م الغيث في السونة

                      شرق والوديان ييريها

والجبل تدفق اركونه

                       ويملي الجيعان ياريها

والغضي تتنقل ظعونه

                       لي هموم القلب يجليها

إلى آخر القصيدة.

نلاحظ في مثل هذه القصائد بشكل واضح تعلق الشيخ زايد بأرضه، وحبّ زايد للوطن، وحب الحياة فيه، وحب الإنسان وحب النماء، كما يقول الدكتور غسان الحسن في شرحه للقصيدة. فزايد في هذه القصيدة والتي سبقتها، بل وفي غيرهما، يتغنّى بالجمال والحب، لكن بجمال بلاده وحبّ بلاده، ولقد أدهش زايد الناس، إذ كيف يزور بلاد الله الواسعة ولا سيما أوروبا، ثم يعود ليعبّر عن جمال بلاده!

إن هذا لعمري هو الوطنية الحقة، وهو الانتماء الصادق للأرض، والمواطن المنتمي إلى أرضه بصدق يموت لو راح بعيداً عن وطنه، وإذا خرج لسبب ما فلن يهدأ له بال حتى يرجع إلى أرضه، ولن يقبل بديلاً عن وطنه، ورحم الله من قال:

بلاد ألفناها على كل حالة

              وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن

وتستعذب الأرض التي لا هوى بها

                      ولا ماؤها عذب ولكنها وطن

وهذا يذكرني أيضاً بقول الشاعر الإسباني فرنسيسكو فيلا سباسيا الذي قال:

الشرق شرقي أين لاحت شمسه

                  ودم العروبة في دمي وعظامي

لي في هوى وطني كتاب خالد

                       يبقى على المكتوب من أيامي

سجلت نصرانيتــي في مـتـنه

                       ونشرت بين سطوره إسلامي

هذا وللحديث بقية..

Email