في ملعب بطولة أميركا المفتوحة للتنس، وسط هتافات الجمهور الصاخبة وومضات الكاميرات، تحولت لحظة كان من المفترض أن تكون احتفالية إلى فضيحة عالمية. بينما كان لاعب التنس البولندي "كاميل مايشرزاك" يستعد لإلقاء قبعته الموقّعة نحو المدرجات كهدية، استقرت عيناه على طفل صغير يُدعى "بروك"، ينتظرها بلهفة.
لكن في ثانية خاطفة، امتدت يد رجل بالغ وانتزعت القبعة من الهواء قبل أن تصل إلى الطفل، تاركة إياه بملامح حزينة ويدين فارغتين. هذا المشهد، الذي وثقه فيديو قصير، حصد ملايين المشاهدات وأطلق عاصفة غضب لم يسبق لها مثيل، ليُطلق على الفاعل لقبًا قاسيًا: "الرجل الأكثر كرهًا على الإنترنت".
لم تدم حالة الغموض طويلًا. فبعد تحقيقات صحفية واسعة، كشفت صحيفة "ذا صن" البريطانية أن الشخص المعني هو "بيوتر شتشيريك"، رجل أعمال ثري يعمل في مجال رصف الطرقات والخرسانة،تبلغ قيمتها السوقية 43 مليون دولار
وقد وضع "بيوتر شتشيريك" الذى يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة "دروغبود" ، القبعة في حقيبة زوجته رغم حصوله على كرة موقعة من"كاميل مايشرزاك" .
ومن جانب اخر أثارت قصة حياته الفاخرة تناقضًا صارخًا مع سلوكه، فهو يعيش في فيلا حديثة تُعرف محليًا بـ "قرية الأثرياء"، حيث تُقدَّر قيمتها بأكثر من مليوني زلوتي بولندي، وهو ما يزيد عشر مرات عن متوسط قيمة المنازل في بولندا. الفيلا التي تضم بحيرة خاصة وملعب تنس في حديقتها الخلفية أصبحت رمزًا لثراء الرجل الذي لم يتردد في انتزاع هدية بسيطة من طفل.
وانكشفت هوية الشخص بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمكن المستخدمون من معرفة اسمه وعمله وعنوانه،وكان ضغط النشطاء ساحقاً، إذ أغرقوا حساب شركته بردود أفعال غاضبة وتعليقات سلبية حتى اضطر لإغلاقها، كما انهالت التقييمات السلبية وخفضت تقييم شركته إلى 1.4 من خمس
تلقى "شتشيريك" سيلًا من الانتقادات اللاذعة، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة. ونقلت صحيفة "ماركا" الإسبانية عن مستخدمين بولنديين وصفوا الرجل بـ "اللص" و"المخادع البدائي"، بينما كتب أحدهم: "لا يمكنك شراء الأخلاق من يسرق قبعة من طفل؛ فقد يسرق من زبائنه أيضًا". وقد وصل الأمر إلى تعليقات من سياسيين بولنديين اعتبروا أن الحادثة ألحقت ضررًا بصورة رواد الأعمال في البلاد.
من جانبه، حاول "شتشيريك" احتواء الموقف بإصدار بيان قال فيه إنه اعتقد أن اللاعب كان يسلم القبعة له ولطفليه الذين طلبوا توقيعات في وقت سابق، مشيرًا إلى أن الموقف كان نتيجة سوء فهم في خضم أجواء حماسية. لكنه أقر في المقابل بأن تصرفه أضر بالطفل وخيب آمال الجمهور، واصفًا ما حدث بأنه "خطأ كبير" يتطلب منه تحمل المسؤولية.
أما اللاعب "كاميل مايشرزاك"، فكان موقفه إنسانيًا مختلفًا تمامًا. فبدلًا من إدانة الرجل، أطلق حملة عبر حسابه على "إنستغرام" للبحث عن الطفل، معلنًا عن نيته تعويضه بقبعة أخرى، ومؤكدًا أنه يمتلك "عددًا كافيًا" من القبعات. وقد أثارت مبادرته موجة من التضامن، حيث انخرط العديد من المتابعين والشركات في البحث عن الطفل، وتحول غضب الإنترنت إلى قوة إيجابية.
نجحت هذه المبادرة في إعادة الأمل، حيث التقى "مايشرزاك" بالطفل "بروك" بعد يومين من الواقعة، وقدم له حقيبة مليئة بالهدايا، والتقط معه صورًا تذكارية، معبرًا عن امتنانه للفرصة التي سمحت له بتصحيح الموقف.
ولكن المفاجأة كانت في تصريحات "مايشرزاك" لصحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية، حيث كشف أن "شتشيريك" هو أحد رعاة اتحاد التنس في بولندا، ومع ذلك، دعا الجمهور إلى التوقف عن الهجوم عليه، مؤكدًا أن الموقف يجب أن يتصدره التعاطف والإصلاح.
وفي ختام الأمر، تحولت الفضيحة إلى درس في التسامح، حيث أقر "مايشرزاك" أن ما قام به الرجل كان نابعًا من عاطفة لحظية لا أكثر.
وهذا الحدث يبرز أهمية احترام مشاعر الأطفال وتأثير الأفعال الإنسانية على بناء الصورة العامة لأي مناسبة رياضية. هذه القصة تؤكد أن روح الرياضة لا تقتصر على الملعب، بل تمتد لتشمل الإنسانية، وتذكرنا بأن فعلًا إيجابيًا واحدًا يمكنه أن يصلح خطأً كبيرًا ويترك أثرًا إيجابيًا لا ينسى، محولًا قصة عن الجشع إلى رمز للتسامح والتعاطف في زمنٍ يميل فيه الكثيرون إلى الحكم السريع.


