تمثل 80% من موارد «الكاف».. كأس أمم أفريقيا «منجم الذهب» ضحية قرار «فيفا»

9
9


تعد بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم العمود الفقري للاقتصاد الكروي في القارة السمراء، إذ تشير التقديرات إلى أنها تمثل نحو 80% من إجمالي إيرادات الاتحاد الأفريقي للعبة. ومنذ انطلاقتها الأولى عام 1957 وهي تقام كل سنتين؛ ما جعلها مصدر الدخل الأكثر استقراراً واستمرارية للاتحاد، سواء من حيث حقوق البث التلفزيوني أو الرعاية أو العوائد المرتبطة بالاستضافة؛ ولذلك كان من المنطقي رفض مقترح إقامة البطولة كل أربع سنوات في وقت سابق من قِبل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، حيث تخوف الاتحاد الأفريقي لكرة القدم من أن يؤدي تقليل عدد نسخ البطولة إلى فجوة مالية يصعب تعويضها، لكن القرار قد اتُّخذ بالفعل، وسوف تكون النسخة الحالية هذا العام هي الأخيرة التي تقام كل عامين، وصار على الاتحاد الأفريقي لكرة القدم «كاف» أن ينتظر «بيضة الذهب» كل أربع سنوات بدلاً من سنتين، وربما كان ذلك سبب إعلان الاتحاد أخيراً عن بطولة بديلة تحت مسمى «دوري أمم أفريقيا»، التي سوف تقام كل عام، وتشارك فيها المنتخبات الأفريقية باستثناء الدول التي تتأهل لبطولة كأس العالم كل أربع سنوات.


قضية خلافية
إلى جانب البعد الاقتصادي، ظل توقيت إقامة البطولة قضية خلافية مزمنة في كرة القدم العالمية؛ فقد أُقيمت كأس الأمم الأفريقية في معظم نسخها خلال منتصف الموسم الأوروبي، الأمر الذي كان يجبر الأندية الأوروبية على التخلي عن لاعبيها الأفارقة لفترات طويلة، ويشعل صراعاً متكرراً بين متطلبات المنتخبات الوطنية ومصالح الأندية. هذا الصراع أثّر سلباً في صورة اللاعب الأفريقي في بعض الأحيان، وخلق توتراً دائماً بين الكاف والمؤسسات الكروية الأوروبية.


روزنامة دولية
كان من المفترض معالجة هذه الإشكالية عبر تغيير موعد إقامة البطولة إلى منتصف العام ابتداءً من نسخة 2019، بما ينسجم مع الروزنامة الدولية ويخفف الضغط على الأندية، غير أن هذا الحل لم يستمر، إذ عادت البطولة لتقام في بداية العام خلال نسختي الكاميرون 2022، وكوت ديفوار 2024، نتيجة اعتبارات تنظيمية ومناخية؛ ما أعاد الجدل إلى نقطة الصفر. أما نسخة هذا العام التي تستضيفها المغرب، فقد شهدت مثالاً واضحاً على تعقيد الروزنامة الدولية، حيث تم تأجيل البطولة ستة أشهر بعدما أقر «الفيفا» نظاماً جديداً لبطولة كأس العالم للأندية، التي أُقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهري يونيو ويوليو الماضيين. هذا التداخل أبرز مرة أخرى هشاشة التنسيق بين البطولات القارية والعالمية، وأعاد طرح مسألة توقيت كأس الأمم كأحد أهم أسباب التفكير في تغيير دوريتها.


مصدر دخل
وقد شكّلت إقامة البطولة كل سنتين مصدر دخل متكرر للقارة؛ حيث استفادت الدول المستضيفة من ارتفاع معدلات السياحة، وتنشيط قطاعات الفنادق والنقل والإعلام، إضافة إلى خلق آلاف فرص العمل المؤقتة. كما مثلت البطولة حدثاً مضمون الظهور للرعاة المحليين والإقليميين، الذين وجدوا فيها منصة تسويقية ثابتة لا تتطلب الانتظار أربع سنوات.
إلى جانب ذلك، نشّطت البطولة «الاقتصاد الشعبي» المرتبط بكرة القدم، مثل المقاهي والقنوات المحلية والصحافة الرياضية والأسواق المرتبطة بالبضائع والمنتجات الكروية، غير أن هذا الأثر لن تجد إشارة واحدة إليه في التقارير الرسمية، على الرغم من أنه شكّل عنصراً مهماً في الدورة الاقتصادية المرتبطة بالبطولة.


حدود الملعب
ينظر اللاعب الإيفواري الدولي ديدييه دروغبا إلى كأس الأمم الأفريقية كحدث يتجاوز حدود الملعب؛ ففي تصريحاته وتحليلاته الإعلامية السابقة، شدد على أن البطولة «تمثل محركاً اجتماعياً واقتصادياً في القارة»، ويرى أن تكرار البطولة كل سنتين يمنح الشعوب الأفريقية لحظات وحدة وطنية وقارية، ويخلق دورة اقتصادية مؤقتة لكنها واسعة النطاق، تشمل السياحة والإعلام والأنشطة التجارية المرتبطة بكرة القدم. ومن هذا المنطلق، فإن تقليل عدد النسخ قد يُضعف هذا التأثير التراكمي، حتى لو تم تعويضه ببطولات أخرى أقل جماهيرية.


من جانبه، يتبنى النجم الكاميروني صامويل إيتو موقفاً أكثر توازناً، نابعاً من كونه لاعباً سابقاً وإدارياً رياضياً لاحقاً؛ فهو لا يرفض فكرة تغيير دورية البطولة بشكل قاطع، لكنه يرى أن المشكلة الأساسية ليست في نظام السنتين، بل في سوء التنظيم وضعف التخطيط والتسويق؛ فإقامة البطولة كل سنتين مفيدة فنياً واقتصادياً، لكنها فقدت جزءاً من قيمتها بسبب الأزمات التنظيمية وتضارب المواعيد؛ لذلك يؤكد أن أي انتقال إلى نظام الأربع سنوات يجب أن يكون مصحوباً بإصلاحات إدارية حقيقية وبطولات بديلة قوية، حتى لا تفقد الكرة الأفريقية زخمها التنافسي.

أرقام
نسخة كوت ديفوار 2023 «أقيمت في 2024».. إجمالي العوائد المباشرة بلغ نحو 80 مليون دولار.
نسخة الكاميرون 2021 «أقيمت في 2022».. إجمالي العوائد المباشرة بلغ نحو 79.7 مليون دولار.
نسخة مصر 2019.. إجمالي العوائد المباشرة بلغ نحو 83 مليون دولار.