يااا... حصل هاري كين أخيراً على لقب جماعي، وجنى كريستال بالاس نتيجة صبر السنين، وأنهى سنوات الحرمان من الألقاب وهو يتوج بأقدم الكؤوس في كرة القدم؛ كأس الاتحاد الإنجليزي، وعاد نيوكاسل إلى منصات التتويج بعد 70 عاماً، وكذا توتنهام بعد 4 عقود، وكان للأهلي السعودي كلمته القارية الأولى، وعرف شتوتغارت طعم الفوز بلقب كأس ألمانيا، مضى بولونيا على دربه في إيطاليا، وأبردين على الطريق نفسه في أسكتلندا، هذا جزء يسير مما شهده الموسم الماضي، الذي سطر مفاجآت قارية وهو يضع بيراميدز على قمة الكرة الأفريقية، ويصل بسان جيرمان إلى الغاية التي قاتل من أجلها سنوات؛ تلك الكأس ذات الأذنين كما يحلو لجمهور الكرة الأوروبية تسمية كأس دوري أبطال أوروبا، وكما شهد الموسم الماضي تمهيداً لكل هذه الأحداث عندما عاد نيوكاسل إلى الألقاب بعد 70 عاماً من الغياب، يبدو أن الموسم الماضي نفسه سيكون تمهيداً لمتغيرات كثيرة في عالم كرة القدم ومفاجآت يترقبها الجمهور في كل مكان، ولكن هل نطمح أن نرى موسماً كالذي حدث عام 2004؟!
ولكن ماذا حدث في عام 2004 حتى يعتبره عالم كرة القدم موسماً ليس فقط لا ينسى، ولكن من الصعب جداً جداً جداً أن يتكرر، هذا إذا لم يكن من المستحيل، ولكن حتماً لا مستحيل مع الحياة.
لنقف قليلاً مع ما تطلق عليه كثير من مصادر كرة القدم «عام المفاجآت الذهبية»، أي المفاجآت التي يصعب إن لم يكن مستحيلاً أن تتكرر.
ما حدث حتماً لا يصدق، ففي ذلك العام وصل المنتخب اليوناني إلى البرتغال والكل ينظر إليه على أنه «الضيف الخفيف جداً» على بطولة الأمم الأوروبية، خاصة وأن مواجهته الأولى كانت في المباراة الافتتاحية أمام صاحب الأرض منتخب البرتغال، توقع الجميع بداية ساحقة لأصحاب الأرض، ورسالة بحزم الحقائب مبكراً لمنتخب اليونان، ولكن بدأ العالم في مشاهد شيء آخر لم يكن متحضراً له أصلاً، حيث نجح المنتخب اليوناني في الفوز على صاحب الأرض في الافتتاح، هل هذه مفاجأة؟ حتماً إلى حد ما، ولكن ما قام به منتخب اليونان بعد ذلك كان هو «المفاجأة الذهبية»، مضى في طريقه حتى نهاية البطولة، تخطى الجميع، بل نجح في الفوز مجدداً على منتخب البرتغال الذي تأهل معه إلى المباراة النهائية، ليتوج بلقبه الأول والوحيد في البطولة حتى الآن، ذلك اليوم الختامي نفسه سجل في التاريخ بعد أن وصل منتخبا الافتتاح معاً إلى المباراة النهائية، وكان منتخب البرتغال واحداً من ثلاثة منتخبات استضافت بطولات قارية ذلك العام، وتأهلت إلى النهائي في حدث أيضاً للمرة الأولى، فقد شهد العام 2004 استضافة البرتغال والصين وتونس البطولات القارية، ولم يكن حظ المنتخب الصيني أفضل من نظيره البرتغالي، إذ خسر المباراة النهائية على أرضه أمام منتخب اليابان، ولكن كان للمنتخب التونسي رأي آخر، حيث إنه المستضيف الوحيد لبطولة قارية في ذلك العام الذي تمكن من التتويج باللقب، وأين؟ في مباراة هي الأولى من نوعها في القارة الأفريقية التي شهدت نهائياً عربياً خالصاً، وهو أمر لم تعرفه قبل عام 2004، حيث وصل المنتخب المغربي أيضاً لنهائي البطولة، لكنه خسر أمام صاحب الأرض، حيث فاز المنتخب التونسي 2–1 في فبراير 2004، ليعلن العام الجديد لكل العالم أن متغيرات كثيرة ستحدث في أشهره المقبلة.
هل اكتفى 2004؟ لا يبدو ذلك، فقد عرف فالنسيا الإسباني التتويج بلقبه الأول في كأس الاتحاد الأوروبي، وفجر أونسي كالداس الكولومبي واحدة من «المفاجآت الذهبية» عندما خطف لقب كأس ليبرتادورس لأبطال أمريكا اللاتينية لأول مرة في تاريخه، كما بات أندريه شيفشينكو أول لاعب أوكراني يتوج بالكرة الذهبية، كل ذلك لم يكفِ عام 2004، حيث زاد عليه بواحد من أكبر إنجازات كرة القدم على صعيد الدوريات الخمسة الكبرى، وأعني إنجاز «الفريق الذهبي» لأرسنال الإنجليزي الذي توج بـ«البريميرلغ» بلا خسارة، وهو إنجاز كان صعباً للغاية حينها، ويبدو أنه استمر صعباً بعد ذلك، وربما تتم معادلته مستقبلاً، لكن التحدي الأكبر، والحدث الرياضي غير المسبوق الذي ربما لن يتكرر أبداً هو التحدي الذي وضعه عام 2004 أمام كرة القدم وفي أواخر موسم 2003–2004، عندما استضافت أثينا الأولمبياد، وتحديداً كان ذلك في كرة القدم في مباراة منتخبي تونس وصربيا ضمن الجولة الثالثة والأخيرة للمجموعة الثالثة.
ففي 17 أغسطس من عام 2004 دخل الحكم تشارلز أريوتيما من تاهيتي تاريخ كرة القدم من أوسع أبوابه، حيث بات أول حكم، وربما آخر حكم، يأمر بإعادة ركلة جزاء 6 مرات، نعم 6 مرات، وهي الركلة التي نفذها اللاعب التونسي محمد الجديدي، الذي نجح في الثلاث مرات الأولى في تسجيلها، لكن أريوتيما كان يأمر بإعادة الضربة لتداخل لاعبين خلال التنفيذ، وعندما لم ينجح الجديدي في التسجيل في المرة الرابعة بعد أن تصدى الحارس الصربي للركلة أمر أريوتيما أيضاً بإعادتها، وفي المرة الخامسة تصدى أيضاً الحارس الصربي لها بنجاح وكاد منتخبه يحتفل، إلا أن أريوتيما كان له رأي آخر، فأعاد الضربة للمرة السادسة ونجح الجديدي هذه المرة في تسجيلها بعد أن أطلق قذيفة فرغ فيها كل غضبه ليسجل ثاني أهداف منتخب بلاده في اللقاء الذي انتهى لصالح تونس 3–2، ولكن غادر المنتخبان معاً الأولمبياد، إذ تأهل منتخب الأرجنتين في المركز الأول، وحل منتخب أستراليا ثانياً بفارق الأهداف عن المنتخب التونسي، بينما جاء منتخب صربيا رابعاً.. حدث عرف عام 2004 كيف ينهي به سلسلة العجائب ويتحدى به العالم حتى الآن.







