هناك عوامل كثيرة ومتنوعة لاستقرار المجتمعات، ربما يربط بعض الناس الاستقرار بالقوة الاقتصادية فقط أينما وجدت وجد السلام والأمن والتلاحم المجتمعي، نعم لا نختلف على المكانة الكبيرة للاقتصاد وأثره على الدول.
ولكن هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية عن الوفرة المالية، ومن ضمنها الخطاب المعتدل، الخطاب الذي يرفض الكراهية، ويحذّر من التمييز والعنصرية، الخطاب الذي يجمع الكلمة ولا يفرّقها والذي يدعو إلى تساوي الفرص بين الأفراد.
ولو أردنا التعرف على فضائل وميزة الاعتدال فلننظر إلى ضده الفاسد ونميز بينهما لنعرف الفرق الكبير ونقدّر قيمة نعمة الاعتدال، وكما قيل: «بالضد تتبين الأشياء»، وضد الاعتدال هو التطرف وخطاب الكراهية.
جاء تعريف خطاب الكراهية في مرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2023 في شأن مكافحة التمييز والكراهية والتطرف بأنه: «كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات». خطابات الكراهية هي أساس كل شر في المجتمعات؛ وهي شعار أهل الفرقة والفتنة يتغنون بها ويراهنون عليها.
نحن اليوم في عالم مختلف، متطور على المستوى التكنولوجي والرقمي، سريع جداً في إيصال وتلقي المعلومة، ما يجعلنا نتصور أن التحدي كبير والمسؤولية عظيمة في الاستفادة من هذه التكنولوجيا بطريقة تدعو للاستقرار وحماية الأفكار ونبذ كل صور الفرقة بجميع أشكالها.
صار التركيز أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي كونها أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، فهي منصات لتبادل الأفكار والتعبير عن الآراء فتنتشر كالريح المرسلة ويتناقلها الناس بكل سهولة، وهذا ما أدى إلى ظهور تحديات جديدة ومختلفة تتعلق بالخطاب.
وأصبح من الضروري أن تتم متابعة المحتوى وضبطه، سواء عن طريق التشريع أو الوقاية؛ وهي التوعية بالطريقة المثلى في استخدام هذه التطبيقات بطريقة إيجابية.
هناك صور متعددة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تخالف الاعتدال المنشود، مثل تعليقات السب أو القذف أو انتهاك خصوصية الغير أو الدعوة للعنف أو خطابات التمييز سواء المتعلقة بالجنس أو العرق أو الدين أو غيرها، فهي صور مجرّمة نظراً لخطورتها على المجتمع ككل، والتي تؤثر على الأمن والاستقرار وتقوّض جميع الجهود الرامية لتحقيق التلاحم المجتمعي بين الأفراد.
كم سمعنا في الآونة الأخيرة من قضايا وصلت للجهات المعنية بسبب السب والتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، أو رصد مخالفات تتعلق بخطاب الكراهية أو العنصرية.
لذا أفضل طرق لمواجهة هذا النوع من السلبيات هو عن طريق نشر الخطاب السليم وإبراز شباب مثقف وواعي قادر على إيصال الرسائل الهادفة بطريقة تناسب شرائح المجتمع، بالوعي التام الذي يساعد في عدم التأثر بالحسابات المغرضة والحاقدة. دعوة للجميع بأن يكون واعياً وحكيماً فيما ينشره أو يعلّق عليه، ويوزن الكلمة قبل النطق بها أو كتابتها.
