طقوس الإبداع لدى الأدباء غريبة، لكن طقوسهم الحياتية أغرب، وقد نتفهَّم غرابة عاداتهم الإبداعية لكونها جزءًا من عملية الإنتاج الأدبي المحفوفة بجنون ميلاد الكلمة، لكننا لا نستطيع أن نحل ألغاز حياتهم الحافلة بالغموض.
وفي حوار قديم للأديب الكبير عباس محمود العقاد مع الإعلامية الراحلة أماني ناشد، يتحدث عن ولعه الشديد بالحشرات، قائلًا إنه يملك 100 كتاب عنها.
ويرى العقاد أن هذه النوعية من الموضوعات تزيده بالإحساس بالحياة وتوسيع مجال الاطلاع، موضحًا أن دراسة الحشرات أهم دراسة نفسية يمكن أن يطلع عليها اﻹنسان.
إلى هذا القدْر، من الممكن أن نتفهم وجهة نظره، ولا شك أن عوالم الحشرات فيها من اللمحات الكونية ما يستحق التأمل، ولا عجب فقد أورد لنا القرآن الكريم قصة نملة سليمان عليه السلام، وسرد ما أوحاه الله تعالى إلى النحل.
لكنَّ العجيب حقًّا أن يلجأ العقاد إلى تلك المخلوقات الضعيفة ليستعين بها على نسيان ألمه النفسي من جراء تجربة حب فاشلة.
فالأديب الكبير، الذي امتنع عن الزواج إلى آخر يوم في حياته، مر بقصة مع فتاة تُدعى «سارة»، وانتهت القصة ولم يبقَ منها إلا الاسم الذي صار عنوان أحد أشهر أعماله.
وقصَّ، في حوار آخر أجرته معه الفنانة الراحلة هند رستم، كيف أنه كان لا يستطيع النوم أو اليقظة إلا على صورة تلك الفتاة التي علَّقها أمام سريره.
وحين خارت قواه وتضعضعت إرادته عن النسيان لجأ إلى حيلة غريبة، إذ أحضر صورة مرسوم عليها كعكة ملوثة بالحشرات، وإلى جوارها كوب عسل يتساقط فيه الذباب، ليتمكن بذلك من أن يستبدل بإحساس الولع شعورًا بالنفور والاشمئزاز، ونسيانًا دائمًا يسكِّن به آلام قلبه.
