يستحضر شهر رمضان المبارك معه هذا العام، كما في كل عام، بعضاً من عادات المجتمع الإماراتي وتقاليده وطقوسه المتوارثة عن الأجداد، التي تشكل جزءاً من إرث البلاد الثقافي الذي حرصت دولة الإمارات على صونه بإدراج عناصره على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لـ«اليونسكو»، ومثال على ذلك، «القهوة العربية» التي أدرجت على القائمة عام 2015، باعتبارها من العناصر الرئيسة لهذا التراث.
تنقيب
عرف المجتمع الإماراتي بذور نبتة البُن منذ أكثر من ألف عام على أقل تقدير، وذلك حسبما أظهرت أعمال التنقيب التي كشفت عن وجود أقدم حبة بُن في العالم تعود إلى القرن الـ 12 داخل جرة فخار في رأس الخيمة.
ويُرجح أن تكون حبات البن قد وصلت إلى الإمارات عن طريق اليمن عبر الرحلات التجارية، وأن يكون منشأها الأصلي الغابات المطيرة لجبال أثيوبيا، وأن تكون انطلقت من هناك وسلكت طرقاً عدة بعد اكتساحها قلوب الناس كمشروب منبه.
وأحب الناس مشروب القهوة لرائحتها الزكية ونكهتها المميزة، وأصبحت صديقتهم في كل الأوقات: رفيقة الأزواج في الصباح والموظفين في مقرات العمل، وفي حضورها تدور الأحاديث والقصص والمرويات في المنازل، وفي مجالسها تطرح قضايا الناس وتنجز الأعمال ويلتقي الأصدقاء بأحبائهم. وقد تغلغلت عميقاً في بنية المجتمعات وأصبحت ركناً أساسياً للعادات والتقاليد المتوارثة إلى يومنا هذا.
حضور دائم
وفي التراث الإماراتي والعربي الأعم، يشهد حضورها الدائم في المناسبات المختلفة على المكانة الاجتماعية المهمة التي تحتلها، فهي تعد تعبيراً عن الكرم وحسن الضيافة، الصفتان المتأصلتان بقوة في البيئة العربية ومفرداتها. فلا إكرام للضيف من دون تقديم القهوة العربية وفق طقوس خاصة.
يقدمها الإماراتيون في فناجين صغيرة مستديرة مع التمر أو الحلوى، ويتخلل تقديمها جملة آداب وسلوكيات يلتزم بها الضيف والمضيف ومقدم القهوة.
فن وذوق
وتستخدم الدلة في تحضير القهوة وتقديمها، وهي الآنية التي اختارتها الدولة كرمز يوجد على فئات الدرهم الإماراتي المعدنية. ويمر تحضيرها بمراحل عدة. ويجري أولاً فرز بذور البن وغسلها وتجفيفها ومن ثم تحميصها وطحنها ونقعها وتخميرها على نار هادئة من أجل الحصول على قهوة ذات نكهة مميزة ورائحة حادة.
ومن آداب تقديمها للضيف، أن يحمل مقدم القهوة الدلة بيده اليسرى مع توجيه الإبهام إلى أعلى وأن يحمل الفنجان بيده اليمنى وألا يزيد منسوب القهوة المسكوبة ربع الفنجان. وفي المقابل، يجب أن يتناول الضيف الفنجان بيده اليمنى وإعادته إلى من قدمه إليه.
وكذلك من أصول الضيافة أن تُقدم القهوة إلى الضيف الأهم أو الأكبر سناً أولاً، وأن يحتسي الضيف فنجاناً واحداً على الأقل ولا يزيد على 3.
يصف خالد الملا، الرئيس التنفيذي لمتحف القهوة في دبي، مشيراً إلى القهوة العربية وأهميتها تحديداً في دولة الإمارات: إنها فن وذوق في التجهيز والصب والتناول، ورمز للألفة والسلام.