تتميز تركيا بموقعها الجغرافي الفريد بين قارتين، ما يضفي على شهر رمضان المبارك فيها طابعاً ثقافياً وروحانياً مميزاً، ويطلق الأتراك على هذا الشهر اسم «سلطان الشهور»، تأكيداً على مكانته الخاصة في قلوبهم، باعتباره شهراً للصيام والتعبد والتعاضد والتراحم.
تبدأ احتفالات شهر رمضان في تركيا بمجرد الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال، حيث تعلو الصيحات تعبيراً عن البهجة بقدومه، وتتزين المنازل بروائح المسك والعنبر، وينثر ماء الورد على مداخل البيوت طوال أيام الشهر، ولعل أبرز ما يميز اللحظات الأولى، هو إعداد الجدّات للوجبة الأولى من السحور، في تقليد عائلي متوارث يجسد معاني التماسك الأسري.
ومن أبرز المظاهر الاحتفالية، تزيين المساجد بلافتات مضيئة تعرف بـ «المحيا»، وهي عادة عثمانية قديمة، تعود لأكثر من 450 عاماً، وتتمثل في تعليق عبارات ترحيبية ومباركات بين مآذن المساجد، تضاء من المغرب وحتى ساعات الفجر الأولى.
كما تنتشر في الأحياء، لا سيما إسطنبول، الموائد الرمضانية التي تنظّم في الأماكن العامة والساحات، وتجتمع حولها العائلات والأصدقاء والمارة للإفطار الجماعي، حيث تتنافس الأسر والجمعيات الخيرية على توفير وجبات الإفطار للصائمين.
وفي بادرة إنسانية رائعة، يقوم الأتراك بإعداد ما يُعرف بـ «كراتين رمضان»، حيث يجمعون المواد الغذائية الأساسية، كالأرز والسكر والزيت والمكرونة وغيرها، ويوزعونها على الأسر المحتاجة، لضمان مشاركة الجميع في بهجة الشهر الفضيل.
كما يولي الأتراك اهتماماً خاصاً بالأطفال في رمضان، إذ يحرص الأهالي على تشجيع صغارهم على الصيام بمنحهم الهدايا والنقود، كما يتبادلون الزيارات العائلية وأطباق الطعام بين الجيران، لتعزيز العلاقات وتقوية الروابط المجتمعية.
وأما موعد الإفطار، فيبدأ تقليدياً، بشرب الماء مع تناول التمر أو الزيتون، ويتميز بانطلاق صوت المدفع الرمضاني، وهو تقليد عثماني قديم، لا يزال مستمراً، ولا تكتمل صورة رمضان دون حضور «المسحراتي»، المعروف محلياً باسم «الدابوجو»، وهو شخص يجوب الشوارع والأحياء ليلاً لقرع الطبول، وإنشاد الأغاني الدينية، منبّهاً الأهالي لوقت السحور.
كما تشهد المساجد صلاة التراويح، التي تجمع الأهالي وتوحد مشاعرهم، ويتبعها نشاطات ثقافية ودينية وترفيهية، خاصة في منطقة السلطان أحمد بإسطنبول، ومن العادات الرمضانية المميزة أيضاً، خبز «البيدا» التركي، الذي ينتظره الناس في طوابير طويلة قبيل الإفطار، وتعود كلمة «بيدا» إلى أصل فارسي، وتعني «الفطير».
وللحلويات نصيب كبير في ثقافة رمضان التركية، أبرزها حلوى «الغولاش» المصنوعة من رقائق الدقيق أو الذرة والحليب المكثف وماء الورد والمكسرات، إلى جانب البقلاوة وراحة الحلقوم، والتي يفضل الأتراك تناولها بعد صلاة التراويح، وتشتهر المائدة الرمضانية التركية بالشوربات وأكلات رئيسة كإسكندر كباب، والكفتة المشوية، والدولما.
