هذا هو القسم الثاني من القراءة في قصيدة «أهلاً رمضان» التي كتبها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تعبيراً عن الحفاوة القلبيّة الصادقة بقدوم هذا الشهر الفضيل، وجعلها احتفاء بسيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم الذي حمل أعباء هذا الكتاب العظيم {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} حين جاءه جبريل عليه السلام بهذا الكتاب المنير الذي تتوقّد آياته بالبلاغة العالية القاطعة لكلّ بلاغةٍ سابقة عند قوم كانوا هم أرباب البلاغة وسَادةَ اللسان، فجاءت بلاغة القرآن فأخرست كلّ بلاغة وتوهّجت بها الروح العربية، واستنارت بما أودِع فيها من الأنوار، وتشرّفت بمعرفة القراءة بعد أن كانت أمّةً أمّية، حين كانت الكلمة الأولى التي نزلت على قلب نبيّها صلى الله عليه وسلّم: {اقرأ باسم ربك} فكان ثمرة ذلك هو إقبال القلوب بالطاعة والعبادة لهذا الإله العظيم، فأضاءت منها القلوب، وتشرّفت منها الجباه حين تعفّرت بالسجود لمولاها العظيم، فكانوا هم السُّعداء بهذا الشرف العظيم، في حين ظَلَّ أرباب الحرمان في سجن أنفسهم بعد أن تحدّاهم الله تعالى في أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ولكنّه حسم أطماعهم وأعجزهم وأخبرهم أنّهم عاجزون عن ذلك: إنساً وجِنّاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وما ذاك إلا لأنّه كلامُ العليم الخبير الذي جعله نوراً سماويّاً متوهّجاً بالهداية، ومُشِعّاً بالضياء فأنّى لهم أن يأتوا بمثله، فإنّ علوم القرآن لا تتناهى لأنّها من الحيّ القيوم، أمّا الزمان والإنسان فهما الفانيان، وشتّان شتّان بين الباقي والفاني، ولقد وقف الفصحاء حيارى متبلّدين أمام هذا الإعجاز الذي لا يبلغ الواصفون كُنهه، وكانوا يدركون في أعماق نفوسهم أنّه كلامُ العليم الخبير، ولقد وصفوه بأبلغ وصف حين قال أحد كبرائهم: «إنّ أعلاه لمُثمر، وإنّ أسفله لمُغدق، وإنّه ليعلو وما يُعلى عليه»، ولكن شقاءه وسوء اختياره لنفسه جعله يقول: {إنْ هذا إلا سحر يؤثَر} فكانت عاقبته أن يذوقَ مسَّ سقر.