ضوء في نهاية الطريق

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدفء الإنساني يحتاج إلى أن نستحضره لكي يعلن عن نفسه.. ولا خطيئة في أن يكون المرء سعيداً "لا بد لهذه السحابة من أن تنتهي".. هكذا مضيت أحدث نفسي بينما كنت أحاول رصد علامات الطريق الصفراء على الصخور والأشجار، على امتداد الدرب.

كان مدى الرؤية محدوداً للغاية طوال ساعة تقريبا، وواصلت الغناء كي أبعد شبح الخوف عني، بينما كنت أنتظر حدوث شيء غير مألوف. وبينما أحاط بي الضباب.

وكنت وحيدا في تلك البيئة غير الواقعية، بدأت النظر إلى طريق سانت جيمس، كما لو كان فيلما. وكثيرا ما نعتقد، في اللحظة التي نرى خلالها البطل يقوم بما لا يستطيع غيره إنجازه، أن هذه الأمور لا تحدث إلا في الأفلام، ولكن ها أنا أحيا هذا الموقف في الحياة الواقعية.. كان الصمت يطبق على الغابة، بشكل متزايد. وشرع الضباب الثقيل في التراجع سريعا، وربما كنت في طريقي إلى النهاية، ولكن ذلك الضوء أبهر عيني، وصبغ كل ما حولي بألوان غامضة ومفزعة.

فجأة، وكما لو كان ذلك عبر حيلة سحرية، انحسر الضباب تماما وظهرت أمامي قمة الجبل.نظرت حولي فلمحت بحر السحب الذي أقبلت منه، وكذا بحرا آخر من السحب يتركز فوق رأسي تماما، وكان يمكنني أن أرى بين هذين المحيطين، قمم جبال أعلى، وقمة جبل سبريرو. ولحظتذاك، راودني شعور بالرغبة في التأمل.

لكن، وعلى الرغم من هذه الرغبة، لم يكن بمقدوري أن أنبس ببنت شفة، وعلى بعد مئات الأمتار، في الأسفل، كانت هناك قرية صغيرة تضم 15 منزلاً، بدأت أنوارها تلوح لعيني. وعلى الأقل، وجدت مكاناً بمقدوري أن أمضي الليلة فيه.. ارتقى حمل ضال أعلى التل، وبرز بيني وبين قمة الجبل، فنظرت إليه منزعجا بعض الشيء، ولوقت طويل مضيت أحدق في السماء التي أوشكت على أن تتشح بالسواد..

وكان خلالها، في عمق المنظر أيضا، قمة الجبل والحمل الأبيض عند سفحه. فقلت أخيرا:" رباه، إن هذا المشهد يأخذ الألباب، والآن تولد الحياة من جديد وتنبعث قوتها.. فسرت في الطريق التي يسير فيها الناس العاديون.. ليست هناك خطيئة بأن يكون المرء سعيدا، وما أجمل أن تتحقق أحلام المرء".

انطلق الحمل في مسيرته، فحذوت حذوه. وكنت أعرف بالفعل إلى أين سيمضي بي، وعلى الرغم من السحب، غدا العالم شفافا بالنسبة لي، وحتى إذا لم أكن أرى مجرة درب التبانة في السماء، فإنني على يقين من أنها موجودة، وانها تنير طريق سانت جيمس من جديد. سرت وراء الحمل الذي مضى نحو تلك القرية الصغيرة التي تحمل اسم سبريرو أيضا، تماما كالتل.

بينما كنت أهبط منحدرا من الجبل، استعدت ذكرى قصة طريفة، ومفادها انه اعتزم مزارع من القرية المجاورة، وفي يوم عاصف، حضور الصلاة. فمضى إلى غايته، وكان القائم على المراسي رجلا لا يحمل كبير احترام للمزارع، ويكاد قلبه يخلو من الإيمان، ولكن مشاعره ما لبثت أن تغيرت على نحو غريب نحو ذلك المزارع".

مضيت أصعد في الطريق إلى المبنى الصغير الذي شيده ذلك المزارع نفسه مع الرجل القائم على المراسي، والذي ابتدأ يؤمن بما يفعله، وما من أحد يعرف من كان هذان الرجلان، حيث كان هناك شاهدان بلا أسماء، يحددان الموضع الذي دفنا فيه، ولكن من المستحيل أن تعرف أي قبر يضم رفات المزارع وأي قبر يضم رفيقه الآخر، ولكي تحدث المعجزة كان من الضروري أن تلتقي القوتان اللتان يعكسهما الرجلان.

منذ ذلك الحين، وعندما أكون على وشك اتخاذ قرار مهم فإنني أستعيد ذكرى ما جرى في سبريرو، فالدفء الإنساني يحتاج إلى أن نستحضره لكي يعلن عن نفسه.

Email