الأزمات وفخاخها

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أن تغزو العواصف أفنيتنا الخلفية تبعث برسائل تحذيرية صغيرة لكننا نتجاهلها لنقع فريسة قلة يقظتنا عندما تبدأ الرياح هبوبها بقوة ومن ثم نكون غير مستعدين لدوي الرعد كان اخيليوس، كما نعرف جميعا، الابن الناجم عن زواج رجل فان من إحدى الربات في الأساطير الإغريقية. وكما تريد كل أم حماية ابنها من كل الأخطار، فإن أمه غمرته في مياه نهر تحيله مياهه إلى كائن خالد، ولكنها أمسكته من عقبه، وهذا هو السر في أن هذا الموضع شكل خطرا بالنسبة للوليد. وهناك صياغات أخرى للأسطورة تفيد أن أمه غمسته في دم تنين.

وأن ورقة شجر التصقت بعقبه. ومن هنا جاء تعبير "كعب اخيليوس"، الذي يوضح لنا حقيقة ثابتة، مفادها أنه، وبغض النظر عن القوة التي نعتقد أننا نحوزها، هناك على الدوام طريقة يمكن وضعنا عبرها في حالة وهن، او إصابتنا بمقتل. وبالعودة الى قصة اخيليوس، واسقاطا على هذه المسلمة، فإننا نجد أن البطل فيها، يموت جراء سهم أصاب نقطة ضعفه تلك (كعب رجله) على وجه الدقة.

قرأت كتاب "متلازمة أخيليوس"، في العام 2001، وهو من تأليف الصحافي ماريو روسا، ويتحدث عن شيء يفرض نفسه، وهو الأزمة، إذ يحذرنا فيه روسا قائلا: "إن الأزمة تعطي مؤشرات".

منذ قرأت هذه العبارة، بدأت ألاحظ فعليا، أنه قبل أن تغزو العواصف ما أفنيتنا الخلفية، تبعث برسائل صغيرة نتجاهلها من جراء الكسل أو من جراء الاعتقاد بأنها لا تستحق اهتمامنا. وبسبب هذا على وجه الدقة، فإنه لحظة تبدأ الرياح الهبوب بقوة، نكون غير مستعدين بالمرة، لدوي الرعد الذي سيشرع في ملء الأفق. فنجد أنفسنا مضطرين، كما يقول روسا، للسعي نحو أفضل وسيلة تفي بتدبر أمر الدمار الذي سيعقب ذلك. وسمحت لنفسي أن أستخدم الكتاب كدليل على محاولة تعقب خارطة عواصفنا الشخصية، والتي تتضمن جملة تحديدات وخطوط:

- الأزمة تأتي على الدوام من الخارج: ذلك حتى عندما نعتقدها تتجلى في أرواحنا فحسب. وبصفة عامة، هناك شيء محدود الأهمية حدث في طفولتنا، يمكن أن يجلب عواقب وخيمة في سنوات نضجنا.

- الأزمة تأتي لتدمر: بقدر ما نحاول على نحو رومانسي أن نربط بين كلمتي "الأزمة" و"الفرصة" على نحو ما يفعل الصينيون، فإن هذا الربط ليس ممكنا إلا عندما نكون مستعدين لما هو غير متوقع. فبما ان الحالة نادرا ما تكون كذلك، تدهمنا الأزمة وتشرع في تدمير كل شيء حولنا.

 

❊ الحقيقة لا تساعد: خلال إصدار كتاب "الظاهر"، قال فنان روسي، في حديث ادلى به الى أكبر صحف موسكو انتشارا، قال إن القصة تقوم على أساس "قصة حب". وفي رأيي أن قصة الحب هذه، كانت مصدر إلهام كريستينا لامب، وهي مراسلة حربية لصحيفة الـ"صنداي تايمز" البريطانية.

❊ يمكن للمشكلة على الرغم من محدوديتها أن تولد أزمة عملاقة: تكشفت في البرازيل، قضية رشوة تورط فيها مدير الخدمة البريدية، وتحولت إلى سلسلة من الإدانات التي أثرت على المستويات المختلفة للحكومة البرازيلية. كما انه في الزواج يمكن التلكؤ البسيط في الطريق من العمل إلى البيت أن يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي يصعب التحكم فيها في وقت لاحق.

 

❊ الحقائق لا أهمية لها، فالأمر المهم هو كيف ينظر الرأي العام إلى الحقائق: لدي صديقة يكره أبوها أمها، وهما يمران دوما، بأوقات عصيبة، والجميع في المنزل يتعارك مثل الكلاب والقطط، ولكن بصوت خفي، وطالما أن الفتاة تحصل على علامات جيدة في الدراسة، وكون الجيران يجهلون كل شيء، وأيضا أن الرأي العام "لا يمكن إطلاعه على شيء"، فالانطباع هو أن العالم لايزال تحت السيطرة.

❊ كل شيء يتم تحويله إلى ذخيرة للتدمير: بما أن الأزمة تفترض دوما حوار «طرشان»، حيث لا يسمع امرؤ ما يقوله آخر، فإن الجدال يصبح غير مجدٍ، فإذا قلت: "إنني أحب البرتقال"، فإن الشخص الآخر سيفهم أنك تكره البطاطس، وكذلك ستشير العبارة تلك إلى أنه يعاني من التعاسة لأنه في ذلك المساء، على وجه الدقة، قدم البطاطس في طعام العشاء.

❊ الأزمة تتضمن على الدوام رمزا: ربما يتعلق الأمر بمؤسسة مثل الزواج، أو بشركة نقل مهني، أو بنشاط أعمال، أو دين، أو حب، أو ملزمة سلوك.

وسأختتم هذا المقال بمقال آخر ينشر لاحقا، أحلل فيه الأوضاع المختلفة التي يمكن أن نمر بها قبل العاصفة، والتي يأتي روسا على ذكرها في كتابه، والتي لا تأتينا على حين غرة، فأرواحنا في نهاية المطاف لها تجلياتها، ويكفي أن لا نستهين بالأشياء التي لا تبدو في ظاهرها غير مسيئة، لكي نتجنب جبلا من المتاعب.

Email