الجحيم في الثقافات

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الآخرون هم الجحيم» سارتر «..إنه تأمل وجه ما» بورخيس

 

يوجد لدى معظم الثقافات، شيء يطلق عليه "مكان العقاب"، تودع فيه الروح الخالدة، لارتكابها جرائم معينة ضد المجتمع. «يبدو أن كل شيء، يُنظر إليه من خلال معايير المجتمع، لا معايير الفرد». وتطور كل ثقافة رؤيتها الخاصة حول أرض العذاب تلك، فهي قد تكون الضفة الأبعد لنهر يحرسه كلب ثلاثي الرؤوس لا يسمح لأحد بالمغادرة. أو ربما يكون سفح جبل يسحق الأرواح تحت ثقله الهائل.

بالنسبة للبطل الإغريقي برومثيوس، الذي سرق النار من الآلهة ومنحها للبشر، فإن الجحيم تمثل في تقييده وشد وثاقه إلى صخرة هائلة، حيث يجيء نسر، كل يوم، ليلتهم كبده. ويقول جان بول سارتر في مسرحية شهيرة له، إن الآخرين هم الجحيم. كما يقدم خورخي لويس بورخيس في قصيدة له، وصفاً بديعاً لما ينتظرنا بعد أن تنتهي حياتنا، وهو تأمل وجه ما. وفي منظور وتفسير أناس معينين، فإن هذا من شأنه أن يصبح نعيماً، لأن الوجه سيكون لشخص يحبونه، بينما بالنسبة لآخرين سيكون جحيماً، حيث سيضطرون للجلوس أمام وجه شخص ألحقوا به الضرر، دون سبب يذكر.

ويتمثل وصف من أكثر الأوصاف إثارة للاهتمام، في ما ورد في كتاب عربي، حيث ورد فيه، إنه ما أن تغادر الروح الجسد، حتى تجد نفسها مرغمة على السير على الصراط، وهو كما نعلم بمثابة جسر دقيق كحافة سكين، حيث توجد الجنة إلى اليمين، أما إلى اليسار فهناك سلسلة من الدوائر التي تفضي إلى الظلام في قلب الأرض،.

وقبل عبورها الجسر «لا يوضح الكتاب على وجه الدقة إلى أين يفضي الجسر»، فإن كل شخص يتعين عليه أن يضع جميع فضائله بيده اليمنى. وبالمقابل، كافة خطاياه في يده اليسرى، ويعني الاختلال بين الفضائل والخطايا، أن الشخص سيسقط إلى الجانب الذي كانت أعماله تميل إليه وهو على الأرض.

وتتحدث التقاليد الفكرية المسيحية عن مكان سيكون فيه عويل وصريف أسنان. وأما التقاليد الفكرية اليهودية، فتصف الجحيم بأنه كهف ليس فيه أي مجال، إلا لعدد محدود من الأرواح، وذات يوم سيمتلئ هذا الجحيم وفي ذلك اليوم ينتهي العالم.

ويتحدث الإسلام بوضوح، عن نار سيصلى بها أشقى الناس.

ويرد "في قاموس الأديان"، أنه في عهد السيد المسيح، كانت هناك تيارات من الفكر اليهودي، تتحدث عن أن الأرواح الشريرة ستلقى عقابها بعد الموت، في مكان يقال له "جهينة"، وهو اسم مستعار من مكان يقع قرب القدس، كان يستخدم كمكب للنفايات من قبل أناس يقطنون في بلدات قريبة، غير أنه في "جهينة" لم تكن هناك فكرة عن العقاب الأبدي، فأقصى عقوبة هي قضاء 365 يوماً في هذا المكان.

وفي تقليد الثقافية الهندوسية، فإن الجحيم ليس مكاناً للعذاب الأزلي، على الإطلاق، حيث يسود الاعتقاد في إطار تلك التقاليد الثقافية، بأن الروح تستنسخ من جديد، بعد فترة معينة من الزمن، لكي تدفع ثمن خطاياها في المكان نفسه الذي اقترفت فيه هذه الخطايا، وبتعبير آخر: في هذا العالم. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه التقاليد تتحدث عن ما لا يقل عن مكانين من مواقع المعاناة هذه، فيما تشير إليه عادة بـ"الأعماق السحيقة".

وفي التقاليد الثقافية البوذية هناك تمييز بين الأنواع المختلفة من العقاب التي قد تواجهها الروح، فهناك ثمانية من أشكال الجحيم الناري، وهناك ثمانية أخرى جليدية، وكذلك توجد مملكة لا تشعر فيها الأرواح المدانة بحر النار أو برد الجليد، وإنما تعاني من جوع وظمأ لا ينتهيان.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه ما من شيء يمكن أن يوضع في موقع المقارنة مع التنوع الهائل الذي توصل إليه الفكر الصيني، فخلافاً للغالبية العظمى من الثقافات الأخرى، والتي تتصور الجحيم مكاناً غائراً بعمق في الأرض يرتبط عادة مع الموت والدفن والتحلل، فإن الصينيين يعتقدون أن أرواح العصاة تمضي إلى نطاق جبلي يعرف باسم "السور الحديدي الصغير"، يحيط به نطاق جبلي آخر يعرف باسم السور العظيم، وفي الفراغ بين هذين النطاقين الجبليين، يوجد ما لا يقل عن ثمانية من أشكال الجحيم الكبيرة، يقع أحدها فوق الآخر، وكل منها يسيطر على 6 أصغر منه، وتتحكم الستة الأخيرة بدورها، في 5 ملايين جحيم تحتها.

ويعتقد الصينيون أن الشياطين أرواح أكملت تلقيها للعقاب الذي تستحقه وعايشت الألم، وهي الآن تسعى إلى الانتقام، ومحاولة إيقاع ألوان أقسى من العقاب بالأرواح الجديدة المقبلة.

Email