تأخذني ذاكرة الشعر في الإمارات تحديداً إلى عام 1986، إلى أول مجموعة شعرية تجمع معظم الطيف الشعري للإمارات، يومها كان البعض ما زال يجرب، بينما كان بعض الزملاء قد قطع شوطاً في بيان الشعر، في حين كنا نكتشف يوماً بعد آخر أصواتاً جديدة شابة تعلن عن نفسها بجدية وطموح أن تقف إلى جانب الرواد.

لقد اتفق الأخوة في اتحاد الكتاب الذين بادروا بإصدار المجموعة الشعرية الأولى، أن لا أحد يجتهد، ويمنع أي صوت من الأصوات، وأن يكون الكتاب راصداً لمختلف التوجهات لتثبيت ما هو كائن في ساحة الشعر، كانت الساحة ما تزال في جدل وحوار وانتماء لشكل من أشكال الشعر.

فالواقع يسجل حضوراً للقصيدة العمودية البيتية، وقصيدة التفعيلة تقف بوضوح في تحدٍّ لبقية الأجناس في حين أن قصيدة النثر كانت الوليد الذي يعد لتكون صوت المستقبل الشعري، وكانت هذه التفاعلات الشعرية ظاهرة حيوية وتتناسب مع المتغيرات التي شهدتها ثمانينات القرن الماضي، والمخاضات الجديدة التي تراهن على الأجمل والاندفاعات الشديدة في كل مناحي الحياة الثقافية.

لا أدعي أن كل ما كان في الإصدار الأول من قصائد في الإمارات ناضج في الإبداع، ولعل البعض من الشعراء يجدون أن قصيدتهم المنشورة في هذا الكتاب تحتاج إلى تغيير بعد مرور ربع قرن من الاستمرارية الشعرية والنضوج الفكري والإبداعي.

تم الاتفاق على أن يكون الكتاب مقسماً إلى ثلاثة أقسام، القصائد العمودية وقد بلغ عدد الشعراء (11) شاعراً في حين كان عدد الشعراء في قصائد التفعيلة (9) فقط أما قصيدة النثر فكان لها حصة الأسد.

فقد بلغ عدد الشعراء (23) شاعراً وشاعرة، ومن ميزات هذا الإصدار أنه جمع كل الطيف الشعري، وتعامل مع القصيدة على المسافة نفسها بين الشعراء دون تمييز لشهرة أو لعمر أو لتجربة، ولعل بعض الشعراء كان يومها في أول طريقهم وبداية تجربتهم أمثال ظاعن شاهين، وميسون صقر، وعادل خزام، ونجوم الغانم، وخالد بدر.

وأحمد راشد ثاني، في حين ضم الكتاب قصائد لصقر القاسمي، وحمد بوشهاب، وسلطان العويس، ومانع سعيد العتيبة، وعارف الخاجة، وظبية خميس، وحبيب الصايغ، ومحمد بن حاضر، وأحمد أمين مدني.. وغيرهم دون تحديد العمر أو التجربة أو أن تكون هناك شروط غير النص الشعري الذي يفرض وجوده بغض النظر عن المنهج أو الأسلوب.

إن أهم ما يمكن أن نثمن به تلك المبادرة لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات أن الكتاب سجل غني وتاريخي، ودليل على الإرث الشعري في الإمارات ومرجع هام في التعريف بحركة الشعر في تلك الفترة. إن ربع قرن مضت سريعة ولا بد أن أصواتاً جديدة طرزت سماء الشعر في حين اكتسبت الأصوات التي كانت شابة يومها تجربتها وحيويتها ونضوجها.

abdulelah_q@hotmail.com