يذكرني الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي بعدد من الشعراء الذين رحلوا مثله شباباً ولكنهم تركوا أثراً لن يمحى، وجددوا في القصيدة وكانوا علامات بارزة في الشعر العربي، نذكر منهم على سبيل المثال شاعر الإمارات خلفان بن مصبح، وطرفة بن العبد الذي توهج شاباً واحترق لكننا ما زلنا نقرأ له، كذلك بدر شاكر السياب الذي مات في منتصف الثلاثين من عمره وحقق للشعر العربي الحديث ما لم يحققه مئات الشعراء ممن سبقوه وآلاف الشعراء الذين ساروا على تجربته وأسلوبه.

أبو القاسم الشابي رمز الشعراء في تونس، وأشهرهم إطلاقاً، بل وأحد العناصر الوطنية التونسية في حركة التحرير، والذي أصبحت قصيدته الشهيرة مطلعاً للنشيد الوطني التونسي ونشيداً عربياً لأجيال تناقلت القصيدة وثبتتها كشعار لحركات التحرر:

إذا الشعب يوما أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أن ينجلي

ولا بد للقيد أن ينكسر

والطريف أن هذه القصيدة نشرت أول مرة في القاهرة، ومصر بطبيعتها الحاضنة والمولدة للإبداع، ذاع اسم الشابي فيها.

أبو القاسم تلقى علومه الأولى على يد أبيه القاضي الأزهري محمد الشابي، ثم تخرج في الزيتونة فمدرسة الحقوق. كان الشابي أحد عناصر المقاومة التونسية لحركة التحرر ضد الاستعمار الفرنسي، إلا أنه أيضاً أحد أقطاب الرومانسية في الأدب العربي، وقد حقق حضوراً متميزاً في هذه المدرسة الفنية، تجاوز به من سبقوه وجايلوه ولحقوا به.

لقد كان حساساً حد الإفراط في نظرته إلى أبناء شعبه وكان لا يجد فيهم الوعي المناسب للوقوف أمام المستعمر والنهضة الحضارية ويجد في عقولهم جموداً، لذا كان تواقاً للحرية، وطني في حبه لتونس ومن خلال بوابة الحب سخط على شعبه الذي كان يجد فيه مستكينا ، لذا تراه يكتب في تحريضهم:

خُلقت طليقاً كطيف النسيم

وحراً كنور الضحى في سماه

فما لك ترضى بذل القيود

وتحني لمن كبلوك الجباه

لم يتحمل أبو القاسم وهو ابن الخامسة والعشرين ربيعاً الحياة، ولم يقو قلبه أن يبث الروح في جسده الواهن فتراكم الوهن على الوهن بمواجهة العواطف المؤججة والمشاعر الحساسة، فرحل وهو في أول أيام ربيع الشباب، لعل الناس لم يفهموا أبو القاسم ولم يستوعبوا فلسفته في الحياة التي نسجها في أغانيه التي تركها لنا:

وبمجد الحياة والشوق غنيت

فلم تفهم الأعاصير قصدي