تصاعدت في الفترة الأخيرة أصوات تدعوا إلى إهمال بغداد وبناء عاصمة جديدة، واعتبر الكاتب أن أزمة العراق ستحل عند تبديل العاصمة، وكأن بغداد هي الأزمة، استغربت من هذا الرأي الذي لا يشي إلا بحقد دفين على بغداد العاصمة، وماضيها ورموزها وإنجازاتها الحضارية، وتذكرت أن الألمان أعادوا بناء برلين بعد أن جعلها الحلفاء كومة حجر بعد الحرب العالمية الثانية، وغيرها من المدن التي تشبّث بها أهلها وأورثوا حبها لأبنائهم وأحفادهم.
ترى، ألا يحب العراقيون بغداد بكل ما فيها من تاريخ وحضارة متأصلة وجمال موقع؟ هل سئم أهلها الحروب التي دامت قروناً، منذ سقوطها الأول حتى الأخير؟ وهل أصبحت أمجاد بغداد، وعلماؤها وشعراؤها ومفكروها، وما أضافته للحضارة الإنسانية سبة أو لعنة؟!
لابد من حملة وطنية، قومية، إنسانية لرفض هذه الكوابيس التي بدأ الطامعون الهذيان بها، ولنستعيد تلك الأغاني للشعراء الذين تغنوا ببغداد. ينشد خضر الطائي:
سلام على دار السلام جزيل
وعتبي على أن العتاب طويل
أبغداد لا أهوى سواكِ مدينة
ومالي عن أم العراق بديل
بغداد ليست للعراقيين فحسب، هي ما زالت بغداد العرب، والإنسانية وإن أي تفكير بالمساس بها، مساس بتاريخ أمة بكاملها. وقد تغنى نزار قباني باكياً:
مرحباً يا عراق..
جئت أغنيك وبعض الغناء بكاء.
يبقى الشعراء والأدباء هم الأكثر حباً وفداءً وغناء للوطن.
بدر شاكر السياب صرخ في أمواج الخليج قبل خمسة عقود:
منذ أن كنا صغاراً كانت السماء
تغيم في الشتاء.. ويهطل المطر..
وكل عام ؟ حين يعشب الثرى ؟ نجوع
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع
تلك هي مفارقة هذا البلد الغني بكل معنى الغنى المادي والمعنوي، إلا أنه لم يستطع أن يقف منتصباً، لأنه كما يقول السياب أيضاً:
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يربها الفرات بالندى
كل الشعراء العرب تغنوا بالعراق .. حينما نغني ستموت الذئاب والأفاعي لأنها لم تتعود على الغناء.
يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه على الكراهة بين الحين والحين
إني وردت عيون الماء صافية نبعاً فنبعاً فما كانت لترويني
إن أشد الاحتلالات فتكاً ليس تلك التي تستعمر الأرض، إنما المشاريع التي تغتال وجه وطبيعة وتاريخ الوطن. احذروا يا محبي العراق من مشاريع اغتيال عاصمة الرشيد.
