حينما فاز الروائي الراحل الطاهر وطار بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها الأخيرة، لم يستطع الحضور إلى دبي لاستلامها، وأوكل ابن اخته نيابة عنه، إلا أن من تقاليد مؤسسة العويس إرسال وفد للفائز بالجائزة إن تعذر حضوره لتكريمه في بلاده.

وهذا ما تحقق عند فوز د. زكي نجيب محمود حيث حمل الجائزة رئيس مجلس أمناء المؤسسة حينذاك عبد الغفار حسين واحتفل مع نخبة من مثقفي مصر بتسليم الجائزة له في القاهرة وكذلك كرمت الأمانة العامة الروائي عبدالرحمن منيف واحتفل بتكريمه في فندق الشام بحضور عدد كبير من الأدباء والمثقفين وتكرر الحال مع الدكتور عبد العزيز المقالح، الذي احتفل بفوزه في صنعاء، وكان من المقرر أن يزور الطاهر وطار وفد من المؤسسة للاحتفال به في الجزائر.

وفي كل مرة كان الوطار يؤجل الزيارة لحين عودته إلى الجزائر من باريس لأن المؤسسة لم ترغب الاحتفال به خارج بلده، ومن ثم كان في انتظار أمل تحسن صحته لذلك أجل الزيارة في انتظار الآتي، وهكذا لم تتح الفرصة لزيارة وفد المؤسسة للوطار، وتكريمه في الجزائر، ورحل مع تواضعه وأخلاقه وأحلامه ولكن إبداعه ظل مع القارئ.

لا أحبذ كتابة رثاء للمبدعين الذين أعجب بنتاجهم، لأن العلاقة الجسدية أصلاً مبنية على المسافة الفاصلة بين مكان الإقامة للمبدع والمتلقي، إلا أن التواصل الذي لا ينتهي «خلود الإبداع»، لذلك قد لا نحس بغيابه نحن الذين نعيش بعيداً عنه، وهذه العلاقة يشعر بها ذويه والمقربين منه.

كتبت عنه ذات مرة دراسة عنونتها «الولي الطاهر وطار.. يعود إلى مقامه الزكي» واليوم حينما أدقق بالعنوان شعرت وكأنني كنت أودعه خاصة وأن الدراسة جاءت قبل أشهر من رحيله.

الطاهر وطار كنز من الأسئلة والمعرفة معاً لم يتم فك رموزه وطلاسمه، والخطاب الروائي عنده وأن خضع لدراسات كثيرة إلا أن مفاتيحه ما زالت عصية عن أقلام الكتاب والباحثين، فإبداعه لا ينفصل عن نشأته وشخصيته وتاريخه السياسي الذي ارتبط بإنجازه الإبداعي مثلما ارتبط بدوره في حرب التحرير الجزائرية ونضاله، لذا فإن روايته أصبحت بمثابة تاريخ للجزائر لم يكتبه المؤرخون.

عمي الطاهر.. الاسم المحبب لكل من يعرفه ولطلابه وأصدقائه ومريديه ومحبيه، رجل فقير من عامة الناس ومن بيئة دينية، حفظ القرآن صغيراً، وتعلم علومه حتى تعليمه الجامعي كان مغامرة منه ومن عائلته التي لم تكن تستطيع أن تتحمل تكاليف دراسته في جامع الزيتونة.

كل شبر من الجزائر يعرف عمي الطاهر، الثورة الجزائرية، إبداعاته، منتدى الجاحظية. عمي الطاهر.. سنظل نقرأ اللاز، الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي، الزلزال، عرس بغل، رمانة.. الشمعة والدهليز، وكل ما كتبه قلمك المبدع.

abdulelah_q@hotmail.com