كان العرب يستهلون القصيدة بالوقوف على الآثار، وبقايا منازل الحبيبة، واستمر هذا الاستهلال طويلاً في شعرنا العربي، ثم ثار الشعراء على هذا النظام، وفي مقدمتهم أبو نواس كقوله وهو يستهزأ بهؤلاء الشعراء:
قل لمن يبكي على رمس درس
واقفاً ما ضر لو كان جلس؟
طور الشعراء أساليب القصيدة، فكان لكل عصر نماذج حية ترتبط بطبيعة تلك العصور، والبحث في هذا الأمر يطول ويتشعب غير أن نموذجاً حياً لقصيدة الغزل كان يعيش معنا، فسلطان العويس أعطانا صورة جديدة بالحياة التي عاشها وهي حياة معاصرة متجددة وإن كان قد بلغ منتصف العقد الثامن عند رحيله.
هو تاجر، موسر، ولكنه يضحي بكل ثروته من أجل عيون الحبيبة، فقد وضع كل رأسماله في عيني الحبيبة، وجعل عينيها هي الثروة لحياته ونسى كل الآلئ التي أشتراها يوم كان طواشاً وجعل من حديثها درراً .. يقول:
إليك مالي فما مالي سوى ورق
لن يؤثر المال قلب قد سكنتيه
وهو رقيق حتى في يومياته فلم أسمع له صوتا خشنا أو زعيقا، حديثه هادئ كهدوء أعصابه وقد انعكس ذلك في العديد من قصائده يقول :
اشرب كؤوس الطلى يا صاح من شفة وأسقط على وردة في الخد بالقبل
سلطان رجل عصري، لذا فالعلاقة مع من يحب لا بد أن تكون واقعية عصرية كما هي الحياة، لا ضبابية، ولا توهيمية، جريء في البوح للحبيب..
إني عشقتك منذ اللحظة الأولى
فهل علمت بوجد الصب يا لولا
سلطان لا يملك الصبر تجاه الحبيب، لكنه لا يحب الخيانة، فهو أيضاً قادر على وضع حد للمسافة بين الحبيب وبينه وأن يجرد نفسه من كل علاقة حتى رقم الهاتف فهو على استعداد لنسيانه.
سأرجع رقم هاتفها إليها
وأقطع حبل وصل كان مدا
لقد كان الشاعر قاسياً بمستوى قساوة الخيانة وبمستوى الوفاء الذي يحمله للمرأة التي لم تقدر تلك المشاعر، ويختم قصيدته
فخوني وأكثري عذراً فإني
لعلمك قد علمت فمت حقدا
لقد كنت الحياة فدمريها
فليس السلخ يؤلم من تردى
والحديث يطول مع الصور الجميلة المعاصرة لشعر الغزل الذي كان من أهم مميزات قصيدة العويس، وليت لي مساحة واسعة تكفي لإلقاء الضوء على تلك العواطف الإنسانية الجياشة لإنسان عشنا معه وعاش فينا.
