بعد 64 سنة على وفاته، يعود عبود الكرخي، الشاعر الساخر إلى الحياة، وسط ما يعانيه العراق من أزمات جعلت الناس تلوذ بشعره، وكان الكرخي المولود في بغداد عام 1861، أحد أهم أبرز شعراء اللهجة المحكية العراقية، وفيلسوف في السخرية من الأوضاع التي كانت في عهده، خاصة وأن الفترة التي عاشها فترة مخاض كبير ليس للعراق فحسب، بل والعالم أيضاً.
عاش في العقود الأربعة الأخيرة من الدولة العثمانية، وأتون حربين عالميتين، وكان شاهد عيان على قيام المملكة العراقية وما رافق تلك السنوات من أحداث جسام، كان الكرخي حاضراً بشكل يومي ليصبح بعد ذلك ضمير شعب بكامله، من خلال قصائده العامية التي كانت ملاذ الناس وأصبح بعضها أمثالاً.
قبل ثمانين عاماً عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب العراقي حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي ومؤثر، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها (قيّم الركَاع من ديرة عفج) يقول:
برلمان أهل المحابس والمدس
عكّب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس
قيّم الركّاع من ديرة عفج
وهي قصيدة مؤثرة لأنها وإن عبرت عن مرحلتها، فإنما تعبر بصدق عما يسود الأجواء التي يعيشها العراق الآن، رغم مرور ثمانية عقود من الزمن.
واشتهر أيضاً بملحمته الشعبية (المجرشة)، وقد أنشدها أمام أحمد شوقي الذي سرعان ما استوعبها كما يقول الباحث حسين حاتم الكرخي في مقدمة ديوان الكرخي، حتى هام بها إعجاباً لبلاغتها وسخريتها ومطلعها:
ذبيت روحي عالجرش
وأدري الجرش ياذيها
ساعة واكسر المجرشة
والعن أبو راعيها
يبلغ عدد أبيات المجرشة 296 بيتاً، وهي تحفة شعرية حلل بها المجتمع العراقي ومعاناة المرأة في تلك الفترات الحرجة من التاريخ بروح ساخرة وانتقاد لاذع للعادات والتقاليد المختلفة والتي سادت المجتمع، علماً انه كتبها عام 1934 وترجمت إلى الفارسية وأذيعت في الإذاعة العراقية، وكذلك ترجمت إلى الفرنسية عام 1970، وصدرت في باريس ولاهاي وبيروت، وقد ترجمها المستشرق الفرنسي سيمون جارجي.
عبر عبود الكرخي عن كل ما كان يعانيه المجتمع العراقي والوضع السياسي وأزمات الحكم وحرية الصحافة، والحرية الفكرية، ولم يكن يخاف أحد واستهان بكل أساليب القمع بما في ذلك غلق صحيفته التي أسسها بعنوان «الكرخ.
