رغم أن العديد من المبدعين الشباب قد أخذ موقعه ودوره في الخارطة الفنية والأدبية، إلا أن أحداً لم يحجز له مقعداً على قمة من قمم الإبداع، كنت أشعر بحزن شديد على رحيل علمين كبيرين من عالمنا الإبداعي والفكري والأدبي، فكرت بمن يمكن أن يصل إلى مكانة محمد عابد الجابري، أو من يمكن أن يكون مبدعاً في الصحافة والأدب مثل محمود السعدني، وعلى الرغم من أني لا أؤمن بوجود بدلاء للمبدعين إلا أنني أجد ضرورة احتلال مواقع متميزة في مجالات الإبداع المختلفة.

نعم .. حتى لا نكون ظالمين لجيل الشباب، هناك من حقق لنفسه موقعاً جيداً عبر نتاجه الإبداعي سواء كان في الأدب أو الفن، إلا أنني أقصد أن هذا الموقع يشاركه فيه آخرون، وهو موقع وإن كان متقدماً إلا أنه لا يشكل القمة والتفرد أو التميز النوعي.

أما الحديث عن الكم الهائل من المتعاملين في الصحافة والأدب والفن وقضايا الفكر، أكثر من الهم على القلب كما يقول المثل الشعبي، وأصواتهم طنين ذباب، وكثرتهم كثرة جراد، تضر ولا تنفع، وهذه الحالة طبيعية ترتبط بكثرة محطات (الـ أف أم ) والفضائيات التي تحتاج إلى تعبئة ساعات البث وجلب أكبر عدد من الإعلانات التجارية، وينطبق ذلك على الصحف والمجلات.

ولعل الغناء ساحة تبرز هذه الشرائح أكثر من غيرها فيمكن أن يتستر الأديب بغلاف كتابه، ولا أحد يكتشف سذاجته وتخلفه كون كتابه لا يقرأ، إلا أن الغناء حالة مكشوفة، تبدأ من الحمام، ورغم أننا جميعاً نغني بالحمام أحسن من عبد الوهاب وحليم وأم كلثوم، إلا أن القليل منا يصدق الكذبة، فيصبح مطرباً خاصة إذا كان يملك مالاً فينفقه على إنتاج شريط لكن ما هي النتيجة.

أشبه هذه الأغاني السطحية التي لا ترتفع إلى مستوى الفن بورق الكلينكس.. تسمع هذه الأغاني لمرة واحدة، تماماً مثل استعمالك لقطعة الكلينكس لمرة واحدة وترميها في سلة المهملات، وتصبح الورقة النظيفة المعطرة زبالة، كذلك هذه الأغاني بعد بثها الأول تتحول إلى سلة الإهمال، لا أحد سيعيد سماعها أو ذكرها أو ترديدها، مقارنة بأغاني سيد درويش، وعبد الوهاب، وأم كلثوم، وقمم الطرب الذين عرفناهم قبل قرن وما زلنا نسمعهم كل يوم بالنسخة الألف بعد المليون وكأننا نسمعهم لأول مرة، هذا الفرق بين أغاني الأصالة الراسخة في ذاكرة الناس وبين أغاني الكلينكس التي نسمعها أو نستعملها لمرة واحدة.

هو استفزاز للشباب.. خاصة المبدعين منهم في تحسين ومراقبة ودراسة نتاجهم.. فإن بعضهم على الرغم من موهبته العالية إلا أنه ينجر مع الكم على حساب النوع، نريد فناً جيداً، ولا نظن على الشباب بتجاربهم وإبداعهم، إنما نحرص على أن نشاهد ونستمع ونقرأ بإعجاب لهم.

bdulelah_q@hotmail.com