تجاوز عمر موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قرناً من الزمن.. لم أشعر برحيله، فأنا أسمعه ومعي الملايين كل يوم.. ما من أحد يستطيع أن لا يسمع إبداعاته الموسيقية والغنائية بصوته أو بأصوات أجمل المطربين والمطربات.

متى ولد عبد الوهاب.. ؟

اختلفت المصادر في سنة ميلاده واتفقت على باب الشعرية في القاهرة بجوار مسجد الشعراني، قيل عام 1901، ومصدر آخر يذكر 1902، وبعضهم يرى عام 1910- أو 1913.

في السابعة من عمره أشتهر بترتيله القرآن الكريم، وجمال صوته في أوقات الآذان الذي كان يرتفع من مسجد الشعراني، وفي نفس السن اكتشفه محمد يوسف أحد العاملين في الفرق الفنية وهو يغني لأقرانه الأطفال بالحارة، وأخذه راكباً على حمار حتى مدينة دمنهور وغنى أغنية سلامة حجازي «عذبيني فمهجتي في يديك» وسمعه في تلك الليلة سيد درويش، وكان أجره عن تلك الليلة خمسة قروش.

واستمر الطفل محمد البغدادي الاسم المستعار الذي اختاره خوفاً من أهله، وفي عام 1920 أصبح راتبه 6 جنيهات في فرقة عبد الرحمن رشدي ثم مع على الكسار براتب قدره 20 جنيهاً، ثم عاد إلى عبد الرحمن رشدي بزيادة 6 جنيهات على راتبه، ومن الصدف أن أمير الشعراء أحمد شوقي حضر تلك الليلة للحفل وغنى عبد الوهاب كما لم يغن من قبل فأعجب به كثيراً إلا أنه اشتكى لدى حكمدار القاهرة وطلب منع عبد الوهاب من الغناء كونه ما زال طفلاً قاصراً، وهذا ما يؤكد لي أن ولادته كانت عام 1910 أو 1913.

ومما يذكر أيضاً مبادرة المخرج محمد كريم لتقديم عبد الوهاب للسينما وهو في العشرينات من عمره حيث التقاه لأول مرة عام 1932، وأخرج له أول فيلم غنائي «الوردة البيضاء» وغنى فيها يا وردة الحب الصافي.

عبد الوهاب، من عائلة متدينة كانت تعده لأن يكون شيخاً أزهرياً كعادة معظم عوائل كبار فناني مصر، إلا أنه خرج عن المعتاد ليسلك طريق الغناء وهو ابن السابعة وليسجل اسمه بين الخالدين في عالم الموسيقى.

حقق عبد الوهاب تطوراً كبيراً في الموسيقى العربية، أولاً بانتقاله من التخت الشرقي إلى الأوركسترا، ثم اتجه بالموسيقى وجهة علمية بالاعتماد على التوزيع الأوركسترالي، وأدخل العديد من الآلات الغربية وأخضعها للتطريب (ربع تون)، ثم مزج بين المقامات العربية الشرقية والألحان الغربية سواء بالنقل، أو الاقتباس.

وبذلك حقق ثورة كبرى في الموسيقى، أما في السينما فكان بحق رائداً للفيلم الغنائي مع الوردة البيضاء، وغيرها من الأفلام التي أخرجها محمد كريم، انه موسيقار الأجيال، الذي لا يمكن أن ننسى ألحانه وموسيقاه، تماماً مثلما تستمر البشرية تستمع لشوبان وموزارت وبتهوفن، سنظل نستمع لعبد الوهاب المتجدد كل يوم رغم رحيله الجسدي.

bdulelah_q@hotmail.com