عذراً.. إذ استعير من محمد الماغوط هذا العنوان، الذي هو أصلاً عنوان لكتاب صدر له عام 1987.

لكن لماذا يخون محمد الماغوط وطنه؟

هو شاعر كبير.. وصوت ظل يشدو بالقصيدة.. ويعبر منها إلى المسرح.. فكتب أجمل ما مثل دريد لحام «كأسك يا وطن» و«ضيعة تشرين» وغيرهما..

وأي وطن سيخون محمد الماغوط.. أو خانه وهو حي قبل أن يخونه وقد انتقل إلى رحمة ربه؟!

لا بد أن الماغوط قد يئس وهو يصرخ في قربة مقطوعة. فهو كما سمى نفسه رجل القضايا الخاسرة.

حينما تقرأ شعر الماغوط يسحرك بجمال مفرداته وقصيدته ويمتعك أيضاً.. لكنه يسخر منك.. ثم يؤلمك، ويفاجئك بمرحه، هو الشاعر الوحيد تقريباً الذي يجمع كل التناقضات في بوتقة واحدة..

هل كان الماغوط يحصد حياته وتجربته المرة تحت هذا العنوان.. ؟! أم إنه كان ممثلاً لجيله الذي عاش كل الإخفاقات والنكبات والنكسات، ومرارة السجن وقساوة الاغتيال.

أذكر مرة أن الأمن العراقي اقتحم مقر اتحاد الأدباء العراقيين بينما كان الأدباء يحتفلون بمناسبة أدبية، تحت ادعاء تهريب رصاص داخل (الكليجة) كعك العيد عند العراقيين، ولم يدرك مسئولو الأمن أنه لا يمكن أن يخبأ الرصاص داخل الكليجة، لأنها بالضرورة ستدخل النار في فرن تصل حرارته أكثر من 300 مئوية.. لكن المبررات تجيز الغباء، وتجعل من حراس الوطن أضحوكة..

سأخون وطني.. أي وطن؟ يا ماغوط..

وطنك الذي هو وطننا جميعاً.. أم وطن آخر مستعار؟ أننا نعلم أنك عشت الفجيعة وأنك بالضرورة تهذي من الرعب، والاختناق أذكر مشهداً رائعاً في كأسك يا وطن، حينما يضطر دريد لحام بيع ولده الذي وضعه في (صينية) وعرضه في السوق، سأله أحد الممثلين.

ـ شو ليش تبيع ولدك.. شو ما عندك مصاري

بكى دريد وقال بحرقة شديدة.

ـ أنا ما بخاف عليه من الجوع.. بخاف عليه من القهر..

أما يوسف العاني في مسرحية المفتاح فيقول في حوار ما بين حيران وزوجته :

ـ حيرة تريد ولد..

ـ وحيران ما يريد.. أكو واحد ما يحب يجيله ولد؟

ـ أني.. مو لأني ما أحب الولد، بالعكس.. لأني أحب ابني ما أريده يجي للدنيا.. ما أريده يتعذب، ولا يجوع أريد له ضمانات لمستقبله.

إذن لست وحدك مفجوعاً يا محمد يا ماغوط يا من تركت الحياة سريعاً.

الماغوط ولد شاعراً، لم يكن بحاجة لتعلم الأوزان، والبلاغة إن موهبته التي ولدت معه دفعته لأن يكون شاعراً بالفطرة، ومفكراً بالضرورة، كان عبقرياً أجمل ما فيه عفويته وبدائيته.. ورغم ذلك لا بد أن نطرح سؤالنا الذي لن نجد إجابة عنه..

أي وطن ستخون يا محمد يا ماغوط؟!

abduleah_q@hotmail.com