ولد الكاتب تاميكي هارا في هيروشيما عام (1905)، تخرج في جامعة كيو وتخصص في الآداب الإنجليزية. في أوائل الثلاثينات تأثر كثيراً بحركتي الدادائية والماركسية ونشر عدة قصائد وقصصاً قصيرة.
كتب قصته (زهرة الصيف) عام 1947 بعد أن عاش تجربة القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما والتي شكلت منعطفاً كبيراً في أسلوبه وأسلوب كل الأدباء اليابانيين. نال جائزة تاكي تارو من هذه القصة، ولقد كانت أغلب رواياته تعتمد على تجربة القنبلة. انتحر عام 1951 بعد انتهائه من كتابة روايته (موطن الرغبة). (زهرة الصيف) هي قصة تروي ببساطة ما حدث في ذلك اليوم السادس من أغسطس عام 1945 وقت إلقاء القنبلة الذرية في هيروشيما. يقدم الكاتب صورة شديدة الكثافة ومرعبة عما حدث في تلك التجربة، فهي تجربة شخصية مركزة بأسلوب قصصي، وتعتبر الآن جزءاً من تراث الأدب الياباني، تلك الذكرى كانت من أهم العوامل التي ساعدت في انتحار هارا بعد أربع سنوات من نشر قصته تلك (زهرة الصيف).
تتحدث هذه القصة عن شاب أرمل يذهب في الذكرى السنوية الأولى لوفاة زوجته إلى قبرها حاملاً باقة منوعة عبارة عن تشكيلة أزهار صيفية، لها بتلات صفراء صغيرة، يرش الماء على بلاطة القبر التي تتعرض لحرارة الشمس اللاذعة
ويقسم الأزهار إلى باقتين ويضعهما في المزهريتين على كلا الجانبين فبدا القبر منتعشاً بجمال الأزهار أما في داخله فلم يكن سوى رماد زوجته وأبيه أيضاً. بعد ذلك أشعل عيدان البخور التي ظلت تعبق رائحتها في جيبه مدة ثلاثة أيام يوم ألقيت القنبلة الذرية على هيروشيما.
في ذلك اليوم المشؤوم في السادس من أغسطس استيقظ بطل القصة في الثامنة صباحاً حيث كانت صافرة الإنذار قد انطلقت مرتين في الليل إلا أنه لم يحدث شيء وبعد لحظات من استيقاظه حدث انفجار مروع لم يعد بعدها قادراً على الرؤيا فتلمس طريقه إلى باب الشرفة، بدأ منظر الدمار في الغسق يتضح أكثر فأكثر،
كان منظراً مروعاً، سحب من الغبار في السماء وفي الداخل ألواح خشبية متهشمة وفجأة علا صوت أخته الصغرى لتخبره أن عينيه تنزفان، كانت الصدوع في كل مكان وقد تبعثرت الأبواب والحواجز،أما في المنطقة نفسها فمعظم البيوت دمرت تماماً لكن منزله بقي ثابتاً بسبب البناء المتين الذي بناه والده منذ أربعين عاماً.
وخوفاً من الانهيار أسرع بالابتعاد من المنزل وقبل المغادرة حمل معه ما استطاع رؤيته من وسادة وحصيرة كانت على الشرفة وحقيبة الإسعاف وأول ما وقع نظره عليه في الخارج كان تلك الشجرة الطويلة (شجرة قيقب) شجرة الطفولة والخيال والحلم الماضي كانت قد انشطر جذعها نصفين وسقطت أغصانها.
وبعد عناء في اجتياز المنازل المهدمة وإزالة العوائق استطاع أن يصل الأرض ثم سمع صوتاً ينادي من وراء بناية مهدمة يطلب المساعدة، كانت امرأة تقف وسط الطريق تبكي كطفل وهي تصرخ، كان بيتها يحترق والدخان كان يرتفع في كل مكان من المنازل المهدمة
وأخيراً وصل إلى حديقة (أسانا) حيث كانت مشوهة تماماً فكل الأشجار العالية سحقت ولأول مرة يرى وجه امرأة كانت مرتمية فوق سياج الحديقة في منتصف العمر وجهها خال من الحياة وحينها أدرك أنه سيرى ما هو أبشع من ذلك.
وبمحاذاة ضفة النهر مر بطالبات هربن من المعمل كلهن مصابات بجروح طفيفة يرتجفن مندهشات، وعندما اشتدت الحرارة من حدة النيران على ضفة النهر أخذ يغطس الوسادة في ماء النهر ثم يضعها فوق رأسه.
كانت السماء سوداء فأسقطت قطرات كبيرة على شكل سيول جارفة فخفضت درجة الحرارة قليلاً وفي النهر سمع صوتاً يطلب النجدة كانت فتاة تتشبث بقطعة من الخشب بعدما انقلب قطار الشحن من الجسر إلى النهر ونجح في مساعدتها بسهولة. ثم رأى جثثاً محروقة مرتمية على الأرض كانت وجوهها متورمة ومشوهة بشكل بشع وكانت هناك طالبتان من المدرسة تئنان تحت شجرة كرز تطلبان الماء بوجهين مسودين من الحريق.
قضى الجميع ليلتهم على أنين وألم ولهاث ضعيف وعند الفجر سمعت ابتهالات بوذية كان هنالك المزيد من الموتى، مات الناس واحداً بعد الآخر وحُملت الجثث ورميت في خندق وجوهها إلى الأسفل ومنهم من تركت جثثهم في مكانها فبدأ في البحث عن إخوته ليبدأ رحلة ما بعد حديقة (آسانا).
ويستمر هارا في وصف الحالة العامة لما بعد القنبلة الذرية، وكأنه يحمل كاميرا تصور المشهد دون صعود حدث معين، فقد كانت الأحداث جميعا تتوقف أمام يوم كارثي كهذا، ولذلك اكتفى بالوصف التسجيلي الذي أصبح فيما بعد أسلوب كتابة أو فن تعرية الحياة وخاصة لمن شهدوا الأهوال وهو ما كان حال عدد كبير من مبدعي اليابان الذين قضوا انتحارا كما فعل تاميكي هارا بعد أربع سنوات من القنبلة الذرية.

