مثل جميع القصص التي قدمها الادباء اليابانيون فان هذه الحكاية مستوحاة من واقعة حقيقية عاينها الكاتب لدى زيارته إلى قبر شونكين بطلة هذه الحكاية والتي ضمنها المؤلف ( جونيشيرو تانيزاكي ) في كتاب بعنوان «سبع قصص يابانية ». ولد الروائي الياباني جونيشيرو تانيزاكي عام 1886 في طوكيو من عائلة تهتم بالطباعة والنشر، درس الأدب الياباني ونشر أول كتاباته (مسرحية من فصل واحد ) عام 1910 في إحدى المجلات الأدبية التي ساهم في تأسيسها. وتوفي في 30 يوليو عام 1965.
ومن أبرز رواياته التي عرفت طريقها إلى العالم عبر عشرات الترجمات : « فتاة اسمها ناوومي، التاريخ السري لأمير موساشي، الذين يحبون الشوك، يوميات هرم مجنون، غرام الأحمق ». امتاز أدبه بمزج التقاليد اليابانية القديمة بالتقاليد الغربية. وكما قاله عنه الكاتب الاميركي هنري ميلر : ساحر، مهلوس ،مدهش الغرابة غالباً.تتحدث رواية «حكاية شونكين» عن ابنة عطار اسمها الحقيقي كوتو موزويا والتي توفيت عن عمر ثمانية وخمسين عاماً، من حي دوشو في أوزاكا. ولدى زيارة الكاتب لمعبد لطائفة جودو في المدينة نفسها تأخذه رغبة شديدة لزيارة هذا القبر حيث يراه منتصباً في مكان مشجر ،كان قد شيده لها المعلم نوكوي سازوكيه تلميذها ،وقد حملت كوتو موزويا طوال حياتها اسم عائلتها بالرغم من أنها عاشت مع تلميذها سازوكيه زواجياً، لذلك تم تشييد قبرها على مسافة معينة في المقابر العائلية ( حسب التقاليد اليابانية ).
وإلى جانب قبرها هناك نصب صغير للمعلم نوكوي سازوكيه تلميذها الذي توفي عن عمر ثلاث وثمانين عاماً. وهو موسيقي أعمى أوصى أن يكون قبره أصغر من قبرها مصراً على صفته كتلميذ يكن احتراماً لمعلمته. وفي أعلى نصب شونكين تقع يد الكاتب على مخطوطة صغيرة بعنوان «سيرة موزويا شونكين » وهي عبارة عن كتيب من ستين صفحة مطبوع على ورق فاخر وضع فيه سازوكيه سيرة حياة معلمته احتفاءً بالذكرى الثالثة لوفاتها.
وتقول السيرة أن شونكين ولدت لعائلة تدير محل عطور في اوزاكا والدتها شيجيه ولديها صبيان وأربع بنات، شونكين الصغرى كانت طفلة فريدة الموهبة تعلمت الرقص في الرابعة لها خطوات وإيقاعات ووقفات فطرية لم يشهد لها مثيل، ولها من الجمال والابداع ما يجعلها ذات شهرة كبيرة. إلا أن القدر لم يشأ ذلك فتصاب بمرض في عينيها وهي في التاسعة من عمرها فتفقد النظر نهائياً.
وضع التلميذ سازوكيه داخل هذه المخطوطة صورة لها وهي في السابعة والثلاثين من عمرها إنها لا تشبه العمياء بقدر ما تشبه امرأة تغمض عينيها كالغائبة في تأمل. عيناها المغمضتان ورموشها المطبقة توحي بامراة جلية الرقة حاوية طيبة ليس لها حدود.
تترك شونكين الرقص نهائياً لتكرس حياتها للموسيقى فتتعلم العزف على آلتي الكوتو والشاميزن على يد المعلم شونشو. وهذا ما ترويه العجوز تيرو شيجيزاوا والتي تحتل المرتبة الثانية في مدرسة كوتو إيكوتا والتي ارتبطت شخصياً بخدمة شونكين في سنواتها الأخيرة ومكثت بعد وفاتها مع المعلم سازوكيه.
ومنذ العاشرة من عمرها بدأت تحفظ الألحان وتلعب على الآلات الوترية بذوق وفن. معلمها شونشو لم يؤنبها أبداً بخلاف قسوته المألوفة فقد كان يعاملها بلطف وطيبة ونعومة. ربما لأنها من عائلة ميسورة أو لأنها ضريرة أو لإعجابه ومحبته لها كإبنته.
كان يقودها من يدها تلميذ مبتدئ ذلك الصبي هوحبيبها المستقبلي (نوكوي سازوكيه) الذي أصبح لاحقاً المعلم الموسيقي وذلك أصل علاقتهما. كان يزيد شونكين بأربعة أعوام، لم يكن في البدء سوى خادم لشونكين وكان يغتبط بهذه المهمة بصمت مملوء بالفخر بملامسة يدها الناعمة. يقودها إلى درس الموسيقى وينتظر حتى نهايته كي يعود بها وتقول أنها اختارته لأنه أكثر هدوءاً من الآخرين ولا يتفوه أبداً بتفاهة.
وفي سن الرابعة عشرة استطاع سازوكيه شراء آلة الشاميزن الموسيقية سراً، وكان ينتظر نوم الجميع ليتمرن عليها ليس حباً واجتذاباً بسيدته بل شغفا بالموسيقى. وكان يغمض عينيه ليعزف بالعتمة مثل شونكين فقد كان يشعر بالاحتقار تجاه بصره لأجل شونكين .
و بعد ليال من التمرين سمعته والدة شونكين فاستدعته وكانت النتائج غير متوقعة و بدلا من طرده لكونه خادما ويتعدى حدوده أصرت شونكين على تعليمه في أوقات فراغها. ومذاك راح نوكوي سازوكيه يخاطب شونكين بلقب المعلمة احتراما لها بالرغم من قسوتها عليه فقد اعتادت ضربه بريشة العزف و توجيه الإهانة إليه، و كان هذا التلميذ ينهار منتحبا و لأنه أكثر حساسية فقد كان دائم البكاء و سخي الدمع.تصاب شونكين بحرق صغير بوجهها إثر ضربة بغلاية ماء من سارق يحاول سرقتها ليلا لكنه يفر هاربا مع استيقاظ سازوكيه وتغطي شونكين وجهها بحجاب حريري .
و لم تظهر نفسها لأنها لم تكن ترغب بأن يراها أحد وهي مشوهة، وتطلب من سازوكيه أيضا ألا ينظر إليها أبدا فيقف سازوكيه أمام المرآة ويقوم بغرز إبرة في عينيه عبر ضربتين أو ثلاث ضربات في كل بؤبؤ، ليخرج مخبرا شونكين انه أصبح أعمى و لن يرى وجهها بعد اليوم. استيقظت في سازوكيه الحاسة السادسة الخاصة بالعميان و عرف أن قلب شونكين يطفح بأنقى عرفان بالجميل ولم تعد علاقتهما علاقة تلميذ و معلم وما عادا يشعران إلا بخفقان قلب واحد و يتعانقان في النهاية.
يقول سازوكيه انه لم يشعر بأي وجع أثناء فقئ عينيه لأنه يحمل نفسه المسؤولية لعدم انتباهه لدخول سارق و أنه لا وجود لمصيبته أمام مصيبتها و ليبقى في ذاكرته وجهها الجميل، ولم يشعر قط بالحزن لفقدان بصره بل يقول أنه الآن رأى جمال معلمته الحقيقي.و بالرغم من ضرره بقي يساعدها ولم يتزوجها علانية لأنه يرفض اعتبار نفسه مساويا لمعلمته ظل يعاملها كأستاذته بالرغم من إنجاب شونكين صبيين وابنة عدا الطفل الأول ويتبنى الصبيين مزارعون اما البنت فتوفيت بعد ولادتها بقليل.
ساءت احوال شونكين المالية، ثم أصيبت بمرض الهزال الذي أدى إلى وفاتها، ويومها سكب سازوكيه دموعا لا توصف. و لكنه ظل وفيا لذكرى معلمته، فراح يعلم الموسيقى ويعيش أياما طويلة من الوحدة. حتى مات بعد واحد و عشرين عاما من رحيل شونكين .

