تحتل رواية «دوبروفسكي» للشاعر الروسي الكسندر بوشكين (1837 ـ 1877) مكانة خاصة بين أعمال بوشكين النثرية، ويرتكز موضوعها على واقع من حياة نبيل فقير اغتصب جاره الغني المتسلط أراضيه وأزاحه من ضيعته، وتنطوي الرواية على ذلك النضال ضد الظلم الذي أشارت إليه دوماً الرواية الروسية وأعطته موقع الصدارة في اهتماماتها، دون التقليل من شأن قصة عاطفية رومانسية لا تكاد تخلو منها رواية روسية واحدة شأن هذه الرواية التي تحولت إلى فيلم سينمائي ناجح أواخر الخمسينات.

يعد الكسندر بوشكين من أعظم الشعراء الروس في القرن التاسع عشر وبالرغم من أن بوشكين لم يعش أكثر من 36 عاما، فإنه ترك الكثير من الآثار الأدبية؛ لدرجة أن قراءه يشعرون أنه قد عمَّر كثيرا.. اعتبر عصر بوشكين هو العصر الذهبي للشعر الروسي، وهو عصر التقارب بين الأدب الروسي من جهة والآداب العربية والشرقية من جهة أخرى، تأثر في بدء طلعته بالأدب الفرنسي، ولكنه ما إن نضج واحتك بالمجتمع حتى اتجه صوب الأدب الإنجليزي، وتأثر باتجاه بيرون وشكسبير الذي نحا نحوه في مسرحياته مع احتفاظه بالطابع الروسي، ولد بوشكين في موسكو في السادس والعشرين من شهر مايو عام 1799.. نشأ في أسرة من النبلاء كانت تعيش حياة الترف واللهو، تاركة أمر الاعتناء بالطفل بوشكين إلى الخدم والمربين الذين كانوا عرضة للتغيير دائمًا، إلى جانب عدم إتقانهم اللغة الروسية إتقانا تامّا، وكان أبوه شاعرا بارزا في ذلك الوقت؛ فساعد ذلك على ظهور موهبته الشعرية مبكرا، بالإضافة إلى ذكائه وذاكرته الخارقة.

كتب بوشكين الكثير من المؤلفات التي عبّرت عن الحياة الثقافية والاجتماعية لروسيا في ذلك الوقت، مثل: «المصباح الأخضر وإرزاماس» كما انعكس حبه للحرية والعدالة في كتاباته، مثل: إلى تشاداييف، و«حكايات»، و«القرية»، كما كتب العديد من القصائد الشعرية، مثل: «الأسير القوقازي»، و«الأخوة الأشرار»، و«النور». كما كتب روايته الشعرية الشهيرة «الغجر»، والتي ظل عاكفا عليها لمدة سنتين، وكتب قصة «الأمية القائدة»، والرواية الشعرية «الفارس النحاسي».

في عام 1831 تزوج من أجمل فتيات روسيا «نتاليا نيقولا لايفنا جونتشاروفا»، وأنجب منها 4 أبناء، وقبل وفاته كان مضطهدا من القيصر الذي كان يضايقه دائما؛ إما بنقله من مدينة لأخرى، أو إعطائه بعض الوظائف التي لا تليق بمكانته.

توفي بوشكين مقتولا في مبارزة له مع أحد النبلاء الفرنسيين، والذي كان يدعى «دانتس» دفاعا عن شرفه في وجه الشائعات التي أشيعت حول علاقة زوجته «نتاليا» بهذا الشاب الفرنسي، وكانت زوجته بريئة منها، حدث له هذا عام 1837 عن عمر يناهز 36 عاما.

تنقسم رواية «دوبروفسكي» إلى ثلاثة مراحل: الأولى تشرح طبيعة الحياة في منطقة ريفية العام 1833 عبر جارين أحدهما شديد الغنى ويدعى كيريلا بتروفيتش ترويكورف والآخر أندريه جافريلوفيبش دوبروفسكي وهو ضابط متقاعد ينتمي إلى أسرة عريقة ونبيلة ولكنه لم يكن شديد الغنى مثل جاره المتعجرف ترويكوف

ورغم أنهما صديقان يحترمان بعضهما، كان الجار الغني يعيش حياة استعراضية صاخبة مليئة بالضيوف والولائم وحفلات الصيد، التي تدفع ترويكوف الغني إلى معاملة جميع فلاحيه وأصدقائه وضيوفه معاملة قليلة الاحترام، وقد نال جاره دوبروفسكي نصيباً من تلك المعاملة فانقطع عن حفلاته، مما أثار حنقه وقرر أن يسلبه الأرض والفلاحين عبر مكيدة اشترك فيها مسؤولون حكوميون،فصدر الحكم بطرد الضابط المتقاعد دوبروفسكي والاستيلاء على ضيعته وفلاحيه.

ثم تنتقل الرواية في الجزء الثاني إلى عودة الضابط الشاب فلاديمير دوبروفسكي إلى منزله ليكتشف ما حل بأسرته وليموت والده بين ذراعيه، ثم يقرر ترك المكان بعد احرقه وبداخله عدد من الموظفين الحكوميين المتآمرين مع غريم والده ترويكوف، وينتقل إلى حياة العنف قاطعاً الطريق على الأغنياء، سالباً أموالهم ومجوهراتهم، مساعداً الفقراء والمعدمين والتف حوله عدد من فلاحيه الذين انتشر صيتهم وفزعت لذكر أفعالهم الأبدان ولعب الخيال الجامح لأبناء الريف في أصباغ البطولة على أحداث لم تقع أصلاً،

ومع مرور الأيام كادت الناس أن تنسى الظلم الذي وقع على دوبروفسكي من قبل جاره ترويكوف وتتذكر فقط دوبروفسكي قاطع الطريق الذي ينتقم من الأغنياء فقط، لكنه لم يمس شيئاً من ممتلكات ترويكوف الذي تسبب في موت والده وضياع أرضه وتشتيت فلاحيه.

وهنا يقودنا بوشكين إلى الجزء الأخير من روايته، عندما كان أندريه دوبروفسكي ماراً بالقرب من بيت ترويكوف باحثاً عن طريقة للانتقام، شاهد صبية شقراء جميلة أسرت قلبه تلك هي ابنة ترويكوف الأثيرة والتي لا تعرف شيئاً عن أفعال والدها فقرر دوبروفسكي التقرب منها متنكراً بشخصية مدرس فرنسي طلبه ترويكوف لتعليم ولديه ماريا البالغة من العمر سبعة عشر عاماً وشقيقها ساشا البالغ من العمر أحد عشر عاماً.

وسرعان ما استحوذ المدرس الفرنسي على قلب الشابة نظراً لمهارته في العزف وشجاعته في قتل دب يستخدمه والدها لإخافة ضيوفه، وكأن ماريا بجمالها وبراءتها شفعت لوالدها من انتقام دوبروفسكي المتنكر بشخصية مدرس فرنسي، فيقرر هذا الأخير ترك العمل عند ترويكوف والعودة إلى حياة قطاع الطرق بعدما يبوح لماريا بحبه كاشفاً عن شخصيته الحقيقية طالباً منها أن تستنجد به وقت الحاجة، ثم يختفي من ضيعتها.

ولكن خبر زيف شخصية الفرنسي انتشر في المنزل وجاءت الشرطة دون جدوى فسارع الأب ترويكوف لإعلان زواج ابنته من أمير عجوز يعيش في الجوار، فتطلب ماريا من دوبروفسكي المساعدة ، ولكنه يصل متأخراً بعدما تم الزفاف، وتجد ماريا نفسها غير قادرة على الحنث بالوعد الذي قطعته أمام الله لتكون لزوجها وحده... فأسقط في يد العاشق الشاب الذي يقرر إنهاء حياة التشرد وحل العصابة طالباً من أعوانه اختيار أمكنة أخرى للعيش بعدما أصبحوا أثرياء من حياة السلب والنهب.

أما هو فقد اختفى من دون أن يترك أثراً يدل عليه.