بيرل باك كاتبة أميركية ولدت في ولاية فرجينيا الغربية في بلدة تدعى هلسبورو عام 1892. نشأت في الصين مع والديها في مدينة تشنكيانغ حيث كان والدها يعمل مبشراً، التحقت بالجامعة في أميركا وحصلت على ليسانس الآداب عام 1914. عملت لمدة عام مدرسة فلسفة ثم عادت إلى الصين لتدير مؤسسات التبني.

اشتهرت بحبها للأطفال وهي أول أديبة أميركية تنال جائزة نوبل عام 1938 عن روايتها «ريح الشرق وريح الغرب» والتي كانت قد كتبتها عام 1930، كما حصلت على جائزة بوليترز للآداب عن روايتها «الأرض الطيبة».

تحكي رواية «ريح الشرق وريح الغرب» عن حياة امرأة صينية تدعى كواي في كنف أهلها ولوالدها أربع من الزوجات يسمين بالسراري، أما والدتها فقد كانت السيدة الأولى في المنزل وهي امرأة نحيفة قليلة الكلام ووجهها يبدو كأنه نحت من العاج لشحوبه وهدوئه، تتحرك بوقار هاديء تعرف أشياء كثيرة ولكن ترهبها السراري والخدم فقد كانوا يكرهونها بقدر ما يحبونها.

أما كواي وهي التي تتحدث بلسانها عن حياتها الشخصية غير معروفة تناديها (أختي) وتسترسل ذكرياتها منذ اليوم الأول الذي حدد به العراف يوم زواجها حيث نادتها والدتها وشعرت بنظرتها الثاقبة لتقول لها بأنه اقترب يوم زفافها على الرجل الذي خطبت له قبل أن تولد فلقد كان هذا اتفاق بين الآباء لقد كان خطيبها في السادسة عندما ولدت وتقرر مصيرها وأخذت والدتها بتجهيزها وتعليمها احترام الزوج والتزام الصمت والتجمل من أجله وتدريبها على إعداد الأطعمة الشهية، وما إلى ذلك من عادات الحياة الارستقراطية وأساليبها في الدخول والخروج والتحية والابتسامة وطريق تصفيف الشعر وتزيينه بالزهور وكيفية لبس الحذاء في قدميها الصغيرتين اللتين كلفتاها دموعاً كثيرة لتصبحا صغيرتين فقد كانت والدتها تربطهما ربطاً جيداً لتبقى قدمها صغيرة ناعمة!

وتتذكر كواي ليلة زفافها عندما وقفت لأول مرة أمام زوجها حيث أحنت رأسها وأرخت يديها وظلت صامتة لفترة تمنت فيها لو أنها استطاعت أن تقول كلمات موحية عن حبها عن سعيها لملاقاته كالشمس عندما تنبثق في الظلام لكنه كان رجلاً صامتاً يرتدي ملابس غربية قليل الكلام وبالرغم من أنها كانت تلفت الانتباه بثوبها الساتان الخوخي اللون إلا أنه لم يبد أي مشاعر نحوها وهي فتاة جميلة عيناها شديدتا الحور وأذناها صغيرتان تلتصقان بوجهها البيضاوي وحاجبها يمتدان لصدغيها.

فقط تكلم كلاماً غريباً بصوت عميق هاديء رجولي ليقول لها: ليس مفروضاً أن تقبلي علي لأنك تريني لأول مرة لقد دفعت لهذا الزواج كما دفعت أنا، إننا عاجزان تجاه هذه المسألة وبوسعنا أن نخلق حياتنا بالشكل الذي نرغب فيه، إنني أراك مساوية لي ولن أجبرك على شيء، فإنك لست ملكي ولا متاعي ويمكنك أن تكوني صديقتي إن أردت.

وبعد فترة ترك زوجها بيت العائلة ليستقل مع كواي في منزل صغير وحاولت أن تخبره أن طاعة الوالدين واجبة إلا أنه كان يكره العادات القديمة وودع أهله ليذهبا إلى بيت صغير أثاثه غريب ومشوه علقت على جدرانه صور وبعض الحروف الأجنبية والتي شرح لها زوجها بأنها شهادته كطبيب في الطبابة الغربية.

كانت عادات زوجها غربية حسب ما تعلم أثناء دراسته في الخارج وقد كافح الخرافات والجهل الشديد وحاول أن يعلم كواي كل هذه الأمور حتى أنه دعا ضيفة أميركية إلى البيت وكانت كواي لأول مرة ترى أموراً لم ترها من قبل فالسلام بإمساك اليد وهزها من فوق إلى تحت والأرجل الكبيرة والحرية التامة بالتصرف والابتسام والكلام وقد كان زوج كواي معجباً بها لأنها فقط صحيحة الجسم معقولة وتمشي بخطوات قوية ومتزنة.

ومع مرور الأيام بدأت كواي تعجب بزوجها الغريب الذي أخذ يعلمها كل شيء وبدأ الحب الذي يرتعش في قلبها يتحول إلى عبادة.

فهو الذي حررها أولاً من الرباط الأبدي الذي كانت تضعه في قدميها ليحرر ثانية من الحياة الجامدة والعادات السقيمة التي تعلمتها، إنه يعرف الكثير ويعرف الحقيقة لكل شيء وتعلمت كواي أن العالم مستدير وأن الشمس والقمر والنجوم هي ملك للعالم كله وليس الإله لـ «بان كو» هو الذي خلقها للصينيين فقط.

وتتزوج كواي أخيراً وتحمل لتنجب طفلاً جميلاً وتتعلم من المرأة الأجنبية صناعة ملابس الأطفال وتربيتهم تربية صحيحة على الطريقة الغربية، وتعلمت إرضاع الطفل من ثدييها وليس كعادات أهلها الذين يجلبون مرضعة له دون أن تمسسه الأم وليذهب الطفل الأول لبيت جديه لأنه ملك للعائلة الكبيرة. وهذا الأمر الذي أزعج والدي زوجها.

أما الأخ الوحيد لكواي فيرسل لها رسالة يخبرها بأنه تزوج امرأة أميركية طبقاً لشريعة بلادها ويرجوها أن تساعده لأنه يحبها وسيعود معها إلى الصين، فتصاب والدة كواي بالمرض وتمتنع عن الطعام لهذا الخبر المفجع واتهمت كواي بالوقوف مع أخيها ضد أمه.

وتفكر كواي هل تستطيع أن تكون صديقة لزوجة أخيها التي تبتسم لها ابتسامة مشرقة سريعة وتداعب إبنها وتقرأ كتباً وتكتب رسائل وتصرح بحبها لأخيها وتظهره في أي وقت دون خجل أو خوف.

وأخيراً قرر أخاها بأن يلبس زوجته ثوباً صينياً ويذهب لمقابلة المبجلين المسنين (والديه) وكان قد علمها الطريق التي تنحني بها وجعلت كواي الخادم يحمل الهدايا من البلاد الغريبة إلا أن والدتها تأمره بالدخول دوناً عنها إلا أنه قبض على يدها ودخلا معاً. ليركع أمامها مقدماً: أيتها السيدة العريقة البالغة الشرف لقد عدت من الديار الغريبة حسب أوامرك

وسيكون قلب زوجتي صينياً وستتعلم عاداتنا وتقاليدنا إلا أنها رحبت به فقط وأمرته بالخروج ليعود إلى بيت أخته منتظراً قرارها النهائي، فتبعث والدة كواي برسالة باستدعاء ابنها لتخبره بأن ابنة عائلة (لي) مازالت عذراء تنتظر وأنه لن يكون لها حفيداً سوى من هذه العائلة فعاد مهرولاً لاعناً أجداده.

وتأتيه رسالة فيما بعد تأمره والدته بالحضور مصطحباً زوجته ليعيش في القاعة الخارجية إذ ليس من اللائق أن تختلط بالسراري وأطفالهن ولينتظر عودة والدته ليبحث بالأمر مع كبار العشيرة، ويذهب أخاها ليصارع النار المحرقة بين امرأتين متغطرستين إحداهما عجوز والأخرى شابة وكلتاهما تحبه حباً عظيماً.

تشتد حالة والدة كواي سوءاً وأصبح أخاها يومياً يدخل بإناء الشاي ويستدعي الوالد ليصل ساعة وفاتها وتركوها أخيراً تنام وحيدة تحت عين الآلهة بين سكينة الأجيال وثراها ومع تراتيل الكهان في الفجر والغسق.

وبدأت السراري يتعاركن فيما بينهن حول أيهن ستكون السيدة الأولى من بعدها أما أخاها فقد كان يلوم نفسه لخشونته مع أمه خلال مرضها حتى أن الغريبة التي لم تكن لها أي من الحب كانت تخفف عن زوجها وتتحدث عنها بلطف شديد.

يجلس الأخ مع والده ليصارحه بأن المسكينة التي جاءت من أرض غريبة مازالت تنتظر قبولها وفقاً لقوانين الصين ولا سيما أنها أوشكت أن تضع طفلها وهي ترغب بأن تكون واحدة منهم وتنتمي إلى جذورهم إنها تريد لأطفالها أن ينتموا إلى جنسهم العريق، ولكن الأب يجيبه وبعد مراوغة شديدة بأن الرجل يجب أن لا يحب زوجته أكثر من أبويه فهذه خطيئة أمام الآلهة والأسلاف.