الشاعر الصعلوك حسين مردان

ت + ت - الحجم الطبيعي

للمرة الثانية أكتب عن أشهر الشعراء الصعالكة في بغداد في القرن العشرين، حسين مردان، والسبب أن في كل مرة أذكر اسمه وأكتبه بوضوح يصر المصحح أن يغيره من مردان إلى مروان، وكأن حسين ناقص أن نهزأ به ميتاً بعد أن كانت الحكايات تدور حوله وهو حي، لعلنا ننطلق من اسم أبيه، ليس من أحد سمي بهذا الاسم غير والده، فمردان، يعني «صرصور»، وكان أبو عليوي معجباً باسم والده.

 

حسين مردان قروي نزح إلى بغداد من بعقوبة، وما أن دخل المدينة حتى تربع على عرشها، بل أشعلها جنوناً، فأصبح ملكاً لصعاليكها. حينما جاء بغداد لم يكن نكرة، كانت صعلكته قد سبقته مع قصائده المتميزة،.

 

والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، لتزج بالشاعر في المحاكم والمعتقلات لأنه تحدى القيم الأخلاقية السائدة، واعتدى على المحرمات الاجتماعية كما يقال عنه، إلا أنه دافع عن نفسه في المحاكم، فاضطر الحاكم لتبرئته بعد أن استطاع أن يبين قدسية ما طرح وإن كان قد فهم على أنه تجاوز للأخلاق والمحرمات، لكنه سجن أيضاً مرات أخرى.

 

مما يحكى عنه من الطرائف، أنه وجودي حتى قبل أن يقرأ سارتر وكامي، إلا أن الصدفة قد جمعته بسارتر في موسكو، وإن لم تكن أكثر من التحية والتقاط صور تذكارية حملها معه إلى بغداد، متبجحاً بهذا اللقاء، وقد رد على سائليه عما دار من حوار مع سارتر أجاب كما يروي ذلك عبد الرحمن مجيد الربيعي.

 

ــ لا علاقة لكم أيها الحفاة الرعاع أشباه الأدباء بلقاء القمم، كنا أنا وسارتر نقرر مصير الكون. حسين مردان حوكم ست مرات. أول وجودي بالفطرة دون أن يقرأ الفلسفة الوجودية أو يتعرف عليها. أول من كتب قصيدة النثر في الوطن العربي، بعفوية بالغة في البساطة، بل حتى قبل أن تصدر مجلة شعر اللبنانية، وقد سمى هذا الجنس من الشعر (نثر مركز).

 

من حكاياته الطريفة.. وبعد أن أصبح لديه راتب جيد، سافر إلى اسطنبول، وأحبها وكرر السفر إليها بحجة أن امرأة تركية جميلة تعشقه، وأنه يحمل لها الهدايا لترحب به بالقول بالعامية العراقية (هله أبو عليوي.. اجيت) يضحك زملاؤه ويبادر أحدهم هي تركية كيف تعلمت اللهجة العراقية.

 

ويجيب عن ثقة.. أي نعم هي تركية.. اني علمتها تحجي بالعراقي، وتتصاعد حركات الغمز واللمز، والضحكات المكتومة، فهم يعرفون أنها حكاية ملفقة، وسؤال خبيث يظل بلا جواب.

 

ــ ليش أنت ما تعلمت تركي يا مردان.

الحكايات كثيرة عن حسين مردان لكن الأهم في تاريخه أنه شاعر لم يأخذ حقه في الدراسة، وكاتب مقال صحفي لم يرتفع لمستواه كبار الصحفيين، هو ملك الصعاليك وشيخهم وسيدهم مثلما هو شاعر متميز لم تتكرر تجربته على الإطلاق.

Email