انتقل فريد الأطرش إلى رحمة ربه في السادس والعشرين من ديسمبر عام ‬1974، وظلت ألحانه حية نسمع لها كل يوم وكأنه قد لحنها الآن.

في نهاية هذا العام أكمل فريد المائة، حيث ولد عام ‬1910، ولكنه لم يجد السعادة والراحة في حياته، منذ طفولته، عندما اضطرت والدته علياء الأطرش للهرب به وأخته أسمهان إلى القاهرة خوفاً عليهما من الأحداث التي كانت تسود بلاد الشام وصراع عشائرها مع الاحتلال الفرنسي، إضافة إلى أن والده كان أحد زعماء المقاومة.

كان فريد وحيد زمانه في عبقريته المبكرة في الموسيقى كان أهم وأشهر وأدق عازف عود عرفه العرب في القرن الماضي، وقد تعلم العزف على يد والدته وهو ما زال صبياً لا يقوى على حمل العود.

وإذا ما كان قد أتقن العزف على العود ثم أصبح أهم لاعب عليه بين فناني جيله بل والأجيال التي تلته وسبقته، فهو أيضاً بدأ الغناء صبياً لم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة حينما ظهر مع والدته علياء في إحدى الحفلات العامة، إضافة إلى أنه مطرب احترف الغناء مع شقيقته أسمهان وهو ابن الخامسة عشرة أيضاً.

كانت بداية مسيرته الموسيقية من مسرح ماري منصور بالقاهرة في حوالي عام ‬1925، ومن هذا المنبر الغنائي اشتهر فريد الأطرش الذي كان يحلو له أن يطلق على نفسه اسم «وحيد» غني لأشهر الشعراء الذين عاصروه أمثال بيرم التونسي ومرسي جميل عزيز وحسين السيد وكامل الشناوي وغيرهم.

كان الموسيقار فريد الأطرش هو الرائد الأول الذي حافظ على الموسيقى الشرقية وطورها دون الحاجة للجوء إلى الأنغام الغربية مع الاحتفاظ بأصالة الأغنية العربية، ورغم أنه استفاد من بعض الإيقاعات الغربية التي فرضتها المشاهد السينمائية إلا أنه أيضاً أخضع تلك الإيقاعات إلى فنه الشرقي، بمعنى أنه وظف كل معرفته وأحلامه عن الموسيقى في العالم لصالح الفن الموسيقي الشرقي.

كانت أفلامه السينمائية علامة مميزة لأسلوبه، لم يحاول أن يقلد غيره بل كان شفافاً ومحبوباً في كل تلك الأفلام الغنائية التي لم يستطع غيره أن يقدم نموذجها حتى عبد الحليم حافظ الذي عاصره اضطر أن يقدم نماذج أخرى لأفلامه الغنائية، ولعل من أشهر أفلام فريد لحن الخلود، لحن حبي، حكاية غرامي، ترك للموسيقى العربية أغاني طويلة بموسيقى فخمة تقترب أو تعتبر سيمفونيات عربية امتازت بمساحاتها الموسيقية وتنوع مقاطعها وتوزيعها السيمفوني، وملئها للأذن الموسيقية إلى جانب العديد من المقطوعات الخفيفة والراقصة.

احتفلت مصر بذكراه المئوية من ‬23 ولغاية ‬26 ديسمبر ‬2010، في دار الأوبرا، وأعتقد جازماً أن موسيقاه ستظل خالدة مئات السنين، فبعد ربع قرن على رحيله تتجدد موسيقاه كل يوم في آذان المستمع العربي.