الفرق بين توطين الوظائف وتوظيف المواطنين لم يعد خافيا على أحد. فالتوطين ليس مجرد شعار أو وظيفة عابرة تعرض في مواقع عمل لا تمت لمؤهلات الشخص وخبراته العملية بصلة، وإنما هو استثمار حقيقي في بناء الإنسان المواطن من مراحل عمرية مبكرة، كأن نوفر له الحوافز التعليمية والتدريبية.
ومن ثم التعيين والابتعاث للخارج لمواصلة الدراسات العليا وذلك لغرس وتعزيز ثقافة الانتماء والولاء الوظيفي، التي تتحطم أمامها أي عروض أخرى تقدمها له مؤسسة أخرى وهي مجرد قليل من الاغراءات والحوافز وفروقات بسيطة في الراتب.
وللأسف هناك العديد من الجهات الرسمية تسعى لتعيين المواطنين انطلاقا من حاجتها لبعض الشواغر المؤقتة وربما لحاجة كما يقال في نفس يعقوب وهي رفع تقارير في نهاية العام تتباهى بها أمام الدوائر الأخرى بنسبة التوطين لديها وأنها وصلت إلى 9 ,99% ولكنها بعد حين تفاجأ بتسرب أعداد كبيرة من المواطنين لأن الأساس في العملية كلها لم يكن التوطين وإنما التوظيف.
العامان الماضيان شهدا استنزافا حقيقيا لبعض الدوائر المحلية بسبب ظهور العديد من المؤسسات والشركات الجديدة في القطاعين العام والخاص بشواغر تبدأ من المراسل وحتى المدير، وبرواتب وامتيازات مغرية أغوت العشرات من الموظفين الذين يجرون وراء الرواتب المغرية بغض النظر عن طبيعة وبيئة وجو العمل في المؤسسات التي عملوا بها لسنوات طويلة.
صحيح أن الراتب وتحسين المستوى المعيشي حق مشروع لكل شخص، خاصة مع ارتفاع نسبة التضخم وزيادة أعباء الحياة اليومية، ولكن الاستقرار الوظيفي والتأقلم مع ظروف العمل تبقى في كثير من الأحيان أهم من الإغراءات المادية التي لن تجلب لصاحبها سوى القلق والتوتر الدائم التي تعتبر مدخلا لجميع الأمراض.