يتناول المؤلف في هذه الحلقة علاقات الولايات المتحدة مع كل من روسيا والهند والاتحاد الأوروبي، ويستعرض بعض المواقف التي يرى وجوب تبنيها من قبل الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالديمقراطية في روسيا والملف النووي الهندي والوحدة الأوروبية التي يعتقد بأن على أميركا أن ترضى بتمزيقها في بعض الأحيان خدمة لمصالحها الخاصة.
ويتطرق هاس كذلك إلى مجلس الأمن وضرورة وجود دور مركزي له في القضايا والأزمات الدولية مع تقبل فكرة أن تقوم الولايات المتحدة بعمل استباقي دون الرجوع إلى المجلس. ولكنه مع ذلك يرى أن الذرائع التي ساقتها الإدارة الأميركية لشن الحرب على العراق لم تكن كافية.
يعتقد المؤلف أن السياسة الخارجية الناجحة لا تعرف الأخلاق أو النوايا الطيبة بشكل مطلق، ولا يجب أن تعتمد على مبدأ «الكل أو لا شيء». وانطلاقاً من ذلك نجد في الكتاب نماذج أميركية للكيل بمكيالين أو أكثر في بعض المواقف. ولا يستطيع قارئ الكتاب أن يغفل أن مؤلفه رجل احتل مناصب كثيرة في عدة إدارات أميركية أتاحت له خبرة طويلة ومشاركة حقيقية في مجال السياسة الخارجية وعلاقات الولايات المتحدة بغيرها من الدول.
ومن بين الأمثلة التي يتناولها الكتاب كيفية التعامل مع روسيا على أساس أن من الممكن مراعاة الرغبة الروسية في الاحتفاظ بوحدة أراضيها وفي نفس الوقت من الممكن والمهم انتقاد الأساليب الروسية الملموسة والافتقار إلى مسار دبلوماسي منسق في الشيشان، وعدم السماح لروسيا بممارسة نفوذ مهيمن على أوكرانيا أو أي بلد آخر من دول «الفضاء السوفييتي السابق».
أما بالنسبة للديمقراطية التي تنادي بها واشنطن فإننا نلاحظ موقفين متناقضين للسياسة الأميركية إذ يقول الكتاب إنه يمكن للمسؤولين الأميركيين ـ بل يجب عليهم ـ توجيه النقد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيزه السلطة في يده. غير أن المؤلف يعود فيقول إنه ليس من الحكمة في شيء فرض عقوبات أو جعل التعاون في مجال آخر رهناً بما تفعله روسيا..
ويخرج المؤلف من ذلك إلى وضع قاعدة للسياسة الخارجية الأميركية مؤداها أن تجزئة المواقف وعزلها عن بعضها مسألة جيدة شأنها شأن العلاقات الإنسانية.
ويتناول ريتشارد هاس جانباً آخر من علاقات بلاده، فبعد استعراضه للعلاقة بين الولايات المتحدة والهند، يتطرق إلى البرنامج النووي الهندي مشيرا إلى أن الهند فجرت ما يسميه «قنبلة نووية سلمية» عام 1974 ثم أجرت تجارب على عدة رؤوس حربية عام 1998، ولكن لم يتم الاعتراف بالهند كواحدة من بين الدول الخمس المالكة للأسلحة النووية في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ولم توقع الهند عليها، ولا تبدو هناك أية فرصة لموافقتها على سحب برنامجها النووي الحربي طالما لم تفعل ذلك كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا العظمى وفرنسا. ثم يضيف المؤلف أن امتلاك باكستان أيضا للسلاح النووي هو أحد أسباب ذلك.
وعلى هذا فإن على الولايات المتحدة قبول الأمر الواقع وهو أن الهند قوة نووية، والعمل مع تلك الدولة لا من أجل استقرار العلاقة النووية بينها وبين باكستان فحسب، بل كذلك لضم الهند كعضو في جميع الترتيبات الهادفة إلى إحباط المزيد من انتشار السلاح النووي إلى دول أخرى أو إلى أية جماعات إرهابية. ومعنى ذلك أيضا إسقاط العقوبات الاقتصادية التي كانت قد فرضت على الهند عندما أجرت تجربتها النووية عام 1998.
ويرى هاس أن الولايات المتحدة تدفع ثمنا لهذا الرضوخ للأمر الواقع، وهو أنه يدعم وجهة النظر التي ترى أن الموقف الأميركي من انتشار الأسلحة النووية متناقض.
ويعترف المؤلف بأن ذلك التناقض حقيقي وأن السياسة الأميركية منحازة منذ البداية ومثال ذلك تسامحها مع إسرائيل وامتلاكها للأسلحة النووية، ويصف ذلك بأنه خضوع للأمر الواقع ولكنه يبرره بأن واشنطن تشعر أن إسرائيل في حاجة لمثل تلك الأسلحة بسبب الحجة المكررة والمعادة وهي أنها مهددة من الدول العربية.
ولا شك أننا نحن العرب ننظر بسخرية إلى هذه الذريعة مع حالة الضعف والهوان التي تعانيها الأمة العربية مما يجعل الدول العربية رهينة للإرهاب النووي الإسرائيلي، ولقمة سائغة للقوة العسكرية الإسرائيلية.
ويدرك العالم ويعرف اليمين الأميركي المتطرف وإدارة بوش أن إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية، ولم تلتزم بالوثيقة الختامية للجلسة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بنزع السلاح النووي عام 1978 ولا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 487 عام 1981 الذي يقضي بإخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما بالنسبة للعلاقة الأميركية ـ الأوروبية فإن السياسة الأميركية تتخذ موقفين في آن واحد، ففي الوقت الذي تتعامل فيه واشنطن مع الاتحاد الأوروبي الذي توسع ليضم خمسا وعشرين دولة، ترى الإدارة الأميركية أنها حرة في دعوة دول أوروبية منفردة للعمل معها إذا أرادت.
وفي هذا الصدد يذكر مؤلف الكتاب أن الفكرة هنا هي ألا تقوم أميركا بالعمل على شق وحدة أوروبا، وترضى في نفس الوقت بفكرة تمزيقها في بعض الأوقات.
والسؤال الاستراتيجي الآن هو إلى أي مدى يستعد الأوروبيون للعمل خارج أوروبا للتأثير في مسار التاريخ بعدما لم تعد جغرافيا ساحة المعركة المركزية كما كانت أثناء الحرب الباردة؟
ويجيب ريتشارد هاس على هذا التساؤل بقوله إن هذا التغير الجيوسياسي، بالإضافة إلى توسع كل من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، يعني بالتأكيد أن التحالف لن ينشط كتحالف كامل في المستقبل.
وبدلا من ذلك لابد من أن تكون الولايات المتحدة أكثر واقعية فتتوقع أنواعا انتقائية من الشراكة بينها وبين مجموعات مختلفة من الدول الأوروبية وفقا لطبيعة ما تواجهه. وسوف يظل هدف واشنطن واحدا سواء تعاملت مع تلك المجموعات أو مع الاتحاد الأوروبي، وهذا الهدف هو دمجها معا في محاولة لترويض تحديات العولمة وعالم ما بعد الحرب الباردة.
دروس العراق
إذا انتقلنا إلى الفصل السابع من الكتاب نجد في بدايته تمهيدا للمؤلف يريد به أن يقنعنا بإمكان إغفال مجلس الأمن الدولي وقراراته حتى في الحالات التي تتطلب عملا عسكريا. ويكشف عنوان ذلك الفصل عن ذلك الاتجاه السائد لدى الإدارة الأميركية إذ يقول العنوان:
«الدمج ودروس العراق». وفي رأي صاحب الكتاب أن وزارة الخارجية والحكومة الأميركيتين تضيعان وقتا طويلا في مناقشة مشاكل مباشرة أو التفاوض حول اتفاقيات معينة، وتخصصان وقتا ضئيلا جدا لمحاولات تصميم البنى والسياسات للتعامل مع كيفية تنظيم العالم وإدارة العلاقات الدولية.
وإذا تحقق إجماع على قبول شكل من أشكال التدخل من حيث المبدأ فإن ذلك يعتبر دعما صريحا لممارسة حالة معينة من التدخل. ويفسر غياب مثل هذا الإجماع جانبا من الخلاف العميق بين الولايات المتحدة وعدد كبير من دول العالم حول العراق.
وقد يتطلب أحد وسائل العملية الدولية وجود دور مركزي لمجلس الأمن الدولي، وفي ظل هذا الدور قد توافق القوى العظمى على عدم اتخاذ أي إجراء في حلبة سياسية مهمة من دون موافقة أو تفويض من المجلس. ويمهد الكتاب للدفاع عن موقف الولايات المتحدة التي طالما هددت باتخاذ إجراء عسكري دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي.
ويذكر المؤلف في تمهيده لهذا أن هناك عدة مشاكل جوهرية على رأسها تشكيل مجلس الأمن الدولي نفسه، فهو يمثل تصور الحلفاء عن شكل العالم بعد الحرب العالمية الثانية، كذلك تأسس المجلس على أساس اعتبارات ذاتية فضلا عن التنبؤ بالمستقبل. ويوضح ذلك كيف نالت فرنسا المنهكة بعد الحرب مقعدا في المجلس واستُبعدت ألمانيا واليابان بينما كانت الهند مستعمرة بريطانية.
وإذا أعيد تشكيل مجلس الأمن من جديد هذه الأيام فمن المستحيل الإبقاء على التشكيل الحالي بأعضائه من الدول الخمس دائمة العضوية. ويشير الكتاب إلى أن أعضاء مجلس الأمن الدولي يمثلون أقل من ثلث شعوب العالم حتى مع احتساب الصين.
ولا تتمتع أية دولة من أميركا اللاتينية أو إفريقيا أو الشرق الأوسط بمقعد دائم فيه من بين مقاعده الخمسة عشر، وتتداول الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المقاعد العشرة غير الدائمة، ولا يتمتع أكثر من 90% من دول العالم بمقعد في أي وقت معين.
وعلى العكس من ذلك نجد أن أوروبا ممثلة بمقعدين دائمين، بينما يجزم المؤلف أن دولاً أخرى تستحق أن يكون لها مقاعد مثل اليابان والهند وألمانيا أو ربما الاتحاد الأوروبي، والبرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا. ونلاحظ هنا أن ريتشارد هاس استبعد الدول العربية جميعها واكتفى بذكر منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
ويثير المؤلف مسألة شرعية مجلس الأمن الدولي الذي يرى أنه يفتقر إلى الإجماع بين الدول الخمس دائمة العضوية على ما يمكن اعتباره شرعيا في العالم، وكان ذلك واضحا عام 2003 أثناء الإعداد لحرب العراق عندما لم تكن فرنسا وروسيا والصين مستعدة لتأييد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بينما حدث العكس عندما وافقت الصين وروسيا على تأييد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودعم التدخل في كوسوفو.
ويشير هاس إلى إمكانية عدم حصول الإجماع في الوقت الحاضر إذا قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات، ناهيك عن القيام بعمل عسكري، ضد كوريا الشمالية أو إيران أو السودان. وجوهر المشكلة في رأي المؤلف هو أن جميع الدول العظمى، بما فيها الولايات المتحدة، لا تقبل حق الآخرين في استخدام الفيتو ضد اتخاذ إجراء مقترح إذا رأت أنه لا يتفق مع مصالحها الوطنية الحيوية.
وبذلك يتوصل الكتاب إلى النتيجة النهائية وهي أن غياب الإجماع الكامل ولوائح مجلس الأمن الدولي وتشكيله يجعل منه ومن الأمم المتحدة أداة هشة ومحصورة لا تصلح لأن تكون مركز الثقل في أية محاولة في الوقت الحاضر لبناء عالم أكثر تكاملا.
وقد يتغير ذلك الوضع في المستقبل. وانطلاقا من هذا يشير المؤلف إلى أن «الشرعية» لا ينبغي فهمها على أنها شيء مطلق فهي مجرد تصور بقدر ما هي أيضا مفهوم قانوني. وكذلك من الممكن أن يكون إجراء ما مشروعا جزئيا دون أن يكون غير شرعي.
وإذا استحال الحصول على إجماع على مشروع قرار مقدم إلى مجلس الأمن الدولي، فلن يشكل ذلك نهاية الطريق فالأمم المتحدة مجرد مصدر واحد من مصادر التعددية، ومن الأفضل النظر إلى التعددية باعتبارها ظاهرة لخيارات كثيرة لا لخيار وحيد وتشمل الأمم المتحدة وحلف الناتو وعددا من المنظمات الإقليمية ومجموعة الثماني التي يمكن تحويلها إلى منظمة ذات أمانة عامة وتضم عدة دول من أنحاء العالم. ويمكن تطبيق ذلك في المجال الاقتصادي أيضا.
الحرب الاستباقية
يستعرض المؤلف المبررات التي رددتها إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش لشن الحرب على العراق، ويتوقف عند ذريعة امتلاك العراق لأسلحة نووية قائلا إن الاستخبارات والمعلومات المتوفرة آنذاك لم تكن تؤيد الحرب فالعراق لم يكن يمتلك أسلحة نووية ولا حتى برنامجا نوويا جديرا بهذا الاسم.
ولم يكن محتما أن العراق قادر على إنتاج أسلحة نووية في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليه، ولكن إذا افترضنا أنه فعل ذلك فإن هناك دائما إمكانية لاستخدام وسائل الحرب الوقائية أو الاستباقية إذا أوضحت المعلومات أن العراق يصنع بشكل ما أسلحة نووية أو أنه يستعد لاستخدامها.
ومن الواضح أن هناك صعوبة كبرى في إخفاء هذه الأسلحة. أما الذريعة التي تقول إن هناك مخاطر كبيرة في السكوت حتى يتمكن صدام حسين من نقل عناصر بيولوجية وكيميائية إلى الإرهابيين، فهي غير منطقية في رأي المؤلف لأن تلك المخاطرة مجرد أمر افتراضي، ولم تتوفر حالة تستدعي استخدام أساليب الحرب الوقائية مما يوضح آثار فشل الاستخبارات وأهمية توفر معلومات جيدة لتكون ركيزة أساسية لذريعة شن الحرب الوقائية.
ويشير ريتشارد هاس في مكان آخر إلى أن العلاقة بين العراق وتنظيم «القاعدة» والإرهابيين بشكل عام، كانت علاقة هامشية ولا يوجد دليل يربط بين العراق أو صدام حسين وبين هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ويؤكد أيضا ضعف المبررات الأخرى لحرب العراق إذ يقول: «صحيح أن صدام حسين كان من كبار منتهكي حقوق الإنسان، ولكن اللحظة المناسبة لتدخل إنساني واسع النطاق كانت قد حانت من قبل في عام 1988 عندما استخدم ذخائر كيميائية ضد الأكراد. ولا يبدي هاس اقتناعه بحجة شن الحرب على العراق لجلب الديمقراطية إليه وإلى المنطقة من خلاله.
ويقول: رغم نبل هذا الهدف إلا أنه ببساطة لا يشكل مبررا مقبولا إذا احتسبنا التكاليف المالية والبشرية للحرب واحتمالات النجاح المشكوك فيها، وعدم توفر أدوات بديلة لتشجيع التغيير الديمقراطي، وإرساء سوابق خطيرة في العلاقات الدولية. والبديل للحرب عام 2003 هو الاستمرار في فرض العقوبات.
ولو كانت الولايات المتحدة التزمت بها وعدلت عن فكرة الحرب لكان صدام حسين مازال يحكم العراق اليوم، ولذلك فإن كثيرين يطرحون السؤال التالي: «هل العراق والعالم بحالة أفضل دون صدام حسين؟» ويجيب هاس بالإيجاب ولكنه لا يرى السؤال مفيدا مع ذلك ويقول إن ذلك كمن يسأل في عالم التجارة والأعمال عن الأرباح فحسب متجاهلا النفقات.
والمهم في عالم الأعمال وكذلك في السياسة الخارجية هو التوازن أو العلاقة بين التكاليف والمنافع، وهذا هو المعيار الذي يؤدي إلى اعتبار الحرب ضد العراق عملا لا داعي له.
ويشير المؤلف إلى الخسائر المباشرة التي تكبدتها الولايات المتحدة (عند تأليفه للكتاب) بأنها بلغت 1500 جندي ممن لقوا مصرعهم في الحرب، وأكثر من عشرة آلاف أصيبوا بجراح خطيرة، وبلغت فاتورة الحساب 200 مليار دولار، واستنزاف نسبة مئوية عالية من القوة العسكرية الأميركية. وقد امتص الجهد الأميركي في العراق موارد كان من الأفضل استخدامها في نواح أخرى.
وقد أدى ذلك إلى إحداث ضغوط إضافية على مؤسسات القوة الأميركية الاقتصادية والعسكرية التي تعاني في الأصل، وفي نفس الوقت أهملت واشنطن تحديات مباشرة وخطيرة تستحق الاهتمام مثل امتلاك كوريا الشمالية وغيرها لأسلحة نووية، وأفغانستان، وجهود إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والعلاقات مع القوى الكبرى الأخرى. غير أن أرقام الخسائر البشرية تغيرت كثيرا بعد إصدار الكتاب الذي نستعرضه.
فقد ذكرت إحصائية ميدانية أجرتها شبكة سي إن إن الإخبارية الأميركية وأذيعت بعد منتصف شهر يونيو 2006، أن عدد قتلى القوات الأميركية والدولية في العراق منذ بدء الغزو في شهر مارس 2003 لا يقل عن 2725 قتيلا، وهم 2502 جندي أميركي و113 بريطانيا، و132 إيطاليا، و18 أوكرانيا، و17 بولنديا، و13 بلغاريا، و112 إسبانيا، و3 سلوفاك، و3 دنماركيين، كما قتل 13 آخرون من عشر دول مشاركة في التحالف.
حديث الغنائم
ويخرج المؤلف من حديث الخسائر إلى ما بعد الحرب معربا عن اعتقاده أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا أفضل في تلك الفترة. ويرى أن أي إجراء كبير من جانب واحد تقوم به أميركا ضد العراق كان يجب أن تتبعه ـ في أسرع وقت ممكن ـ محاولة جادة لضم أكبر عدد من القوى الكبرى الأخرى.
وأضخم نسبة ممكنة من المجتمع الدولي، ولكن على العكس من ذلك أبطأت إدارة بوش في إقحام الأمم المتحدة وآخرين، وقاومت إصدار قرار جديد يضع أساسا لاشتراك جوهري من الأمم المتحدة والعالم في إعادة بناء العراق سياسيا واقتصاديا وماديا.
أما بالنسبة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546 الذي ووفق عليه في يونيو 2004، كان يجب تبنيه قبل ذلك بأكثر من عام، وكان السبب الذي قيل في تبرير هذا التأخير أن هناك شعوراً لدى بعض دوائر الحكومة الأميركية، بأن الولايات المتحدة تحملت العبء الأكبر في نفقات الحرب ويجب عليها ألا ترحب بمجيء أحد إلى العراق من أولئك الذين لم يسهموا بنصيبهم فيها أو الذين عارضوها. وسيطر على تفكير تلك الدوائر مقولة أن «الغنائم من حق المنتصر».
وقد زاد تلك النزعة تقديرات خاطئة إلى درجة مأساوية مؤداها أن فترة ما بعد الحرب لن تكون شديدة الصعوبة أو التكلفة ولذلك فإن الولايات المتحدة تستطيع النجاح مع مساعدة خارجية ضئيلة. كذلك سيطر على تلك الدوائر الخوف من فقدان السيطرة على الأمور بعد الحرب إذا تولت الأمم المتحدة موقع القيادة داخل العراق. ويستشهد المؤلف هنا بكتاب ديفيد فرام وريتشارد بيرل «نهاية الشر» الذي يقولان فيه:
«بمجرد أن يضع البيروقراطيون الدوليون أيديهم على مجتمع لن يدعوه يفلت منهم». وكان قرار تأخير إعطاء دور للأمم المتحدة ودول أخرى في فترة ما بعد الحرب، قرارا غير حكيم وضاعت فرصة لترميم الشروخ الدبلوماسية، وكذلك ضاعت فرصة إشراك الآخرين في تحمل جزء مهم من العبء العسكري والمالي لإشاعة الاستقرار في العراق وإعادة بنائه. وسرعان ما أصبح كثير من العراقيين يعتبرون الوجود الدولي احتلالاً أميركياً لبلادهم.
تعديل السياسة الخارجية
وفي الصفحات الختامية للكتاب يؤكد صاحبه أن الولايات المتحدة في حاجة إلى تعديل سياستها الخارجية نحو مزيد من التعاون مع الدول الأخرى وتجنب العودة إلى سياسة توازن القوى التي تستنزف موارد قيمة يجب تكريسها لأمور أخرى وهذا هو السبب في ضرورة دمج القوى الكبرى لهذا العصر في جهود وترتيبات دولية توضع لمواجهة الأبعاد الخطيرة للعولمة.
كذلك لا ينبغي حصر التكامل في القوى الكبرى وحدها رغم أهميتها، بل يحتاج الأمر إلى ضم القوى المتوسطة كالبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكوريا الجنوبية واستراليا وإندونيسيا وغيرها من الدول التي تتمتع بنفوذ بارز في مناطقها. وهناك حقيقتان مهمتان:
الحقيقة الأولى هي أنه لا سبيل أمام الولايات المتحدة لحماية نفسها أو تعزيز مصالحها إذا انسحبت من العالم فالانعزالية منافية للعصر الكوني. والحقيقة الثانية هي أن الولايات المتحدة لا تستطيع العمل بشكل أفضل من دون الآخرين رغم كل مظاهر القوة التي تتمتع بها.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى شركاء لأن الأحادية ليست خيارا قابلا للبقاء، وهي على سبيل المثال لا تستطيع شن حرب دون الحصول على قواعد وإمكانية عبور المجال الجوي للبلاد الأخرى. كذلك هي في حاجة إلى الحكومات الأخرى وتبادل المعلومات لوقف الإرهاب. ولا تستطيع الولايات المتحدة وحدها ضمان عدم وصول التكنولوجيا والمواد التي تحتاجها صناعة الأسلحة إلى الأيدي غير المرغوب فيها.
وتتمتع إدارة السياسة الخارجية الأميركية بأهمية كبيرة فهي ليست الدولة الوحيدة التي لديها رأي عام وطني يؤثر على الخيارات السياسية، ولا ينبغي أن تصبح الدبلوماسية كلمة قذرة، وعلى الولايات المتحدة أن تتجنب قول «لا» وبدلا من ذلك عليها أن تقدم بدائل مهمة عندما تقرر عدم قبول ترتيبات دولية مقترحة مثل بروتوكول كيوتو أو المحكمة الجنائية الدولية.
وعليها أيضا الحرص على التصرف بشكل يتوافق مع أهدافها المعلنة إذ أن من الصعب أن يصدقها أحد وهي تنادي بحرية التجارة في نفس الوقت الذي تستمر فيه في تقديم الدعم أو الحماية غير العادلة لشركاتها الصناعية من المنافسة الخارجية.
ويشير ريتشارد هاس إلى أن الالتزام الحازم بالمبادئ ليس أقل أهمية ويضرب على ذلك مثلا بقوله إن نوع الانتهاكات التي حدثت في سجن أبو غريب بالعراق تقوض قدرة الولايات المتحدة على أن تكون مدافعا فعالا عن حقوق الإنسان واحترام القانون في العالم.
عرض ومناقشة: صلاح عويس