يبدو مؤلف الكتاب في هذه الحلقة مغرماً بمكانة الولايات المتحدة الأميركية كأعظم قوة في العالم، بينما نجده يكتفي بوصف بعض الدول الأخرى بالكبيرة ومن بينها دول كانت توصف بأنها عظمى من قبل مثل الاتحاد السوفييتي وبريطانيا. و قد أفرد فصلا كاملا من كتابه ليتناول فيه أوضاع دول مثل روسيا وبريطانيا وألمانيا واليابان والصين والهند وباكستان، ويصفها جميعا بعبارة «الدول الكبيرة الأخرى» وبعضها يمتلك قدرات نووية وإن تفاوتت من بلد لآخر..

وفي رأيه أن تلك الدول ـ لا أميركا وحدها ـ يجب أن يكون لها نصيب في إدراك الضرورة الملحة لوجود عالم على درجة عالية من التكامل، ذلك أنها هي أيضا معرضة لمخاطر العولمة، وأنها أضعف من أن تواجهها وحدها، وهي كذلك ليست في موقف يسمح لها بتحدي الولايات المتحدة مباشرة. وتحتاج تلك الدول إلى فترة ممتدة من الاستقرار العالمي حتى تستطيع التركيز على التنمية الاقتصادية والنمو.

عندما يستعرض المؤلف علاقات واشنطن مع الدول التي يصفها بالكبيرة يبدأ بالصين. ويعارض المؤلف آراء بعض المحللين السياسيين الذين يرون أن تنامي قوة الصين يجعل من الدولتين خصمين متنافسين، ويرى ريتشارد هاس أن ذلك الرأي يجافي الحقيقة لأن الناتج المحلي الإجمالي الصيني يبلغ تقريبا نصف الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.

وإذا وضعنا في الاعتبار ضخامة عدد سكان الصين، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يبلغ فقط خمسة آلاف دولار، أي واحد على سبعة أو ثمانية من نصيب الفرد في الولايات المتحدة، ولذا فمن المنطقي أن يشكل عدد السكان الضخم في الصين، البالغ 3 ,1 مليار نسمة، عبئاً يفوق أهميته كأحد الموارد. ويبلغ الإنفاق العسكري الصيني نحو 60 مليار دولار، أي ما يقارب 15% من حجم الإنفاق العسكري الأميركي.

وهناك مساحات هائلة في الصين تضم مئات الملايين من الناس الذين مازالوا يعانون الفقر والتخلف. ويشير المؤلف إلى وجود فجوة واسعة بين الانتعاش الاقتصادي ونظام سياسي يعتمد على النخبة. وقد أكد قادة الصين من جانبهم على الحاجة إلى عقود من الاستقرار حتى تستطيع بلادهم تركيز اهتمامها على النمو الاقتصادي. وترافق مع ذلك في السنوات الأخيرة إعلان مبدأ «النهوض السلمي» للصين في تلك المرحلة من تاريخها.

ويبدو أن الهدف من ذلك المبدأ هو توجيه إشارات إلى جارات الصين مفادها أن قوة الاقتصاد الصيني المزدهر، وقوة الصين العسكرية المتنامية، لن تستخدم في أي مجهود لفرض الهيمنة على المنطقة، ولا تريد الصين استعداء الدول المجاورة لها أو الولايات المتحدة، كما أنها لا ترغب في تحويل نصيب الأسد من مواردها البشرية والمالية إلى القطاع العسكري بعيدا عن استثمارات أكثر إنتاجية.

وهي تحتاج أيضاً إلى بيئة طيبة تسمح لها بتصدير سلع مصنعة، واستيراد الطاقة والاستثمارات الأجنبية، مع تجنب سباق تسلح مكلف أو نزاع ينحرف بمواردها ويدمر تجارتها وتدفق الاستثمارات التي تسهم في التنمية.

روسيا الكبرى

عندما ينتقل مؤلف الكتاب إلى الحديث عن روسيا نجده ينكر عليها أن تكون إحدى القوى الكبرى لا العظمى بالطبع، ويرى أن موقفها مشابه لموقف الصين إن لم يكن بدرجة أكبر، ثم يقول إن روسيا دولة كبرى بالاسم فقط، ولا يلبث أن يغلو في ذلك فيصفها بأنها أبعد ما تكون عن كونها دولة قوية بالرغم من امتداد أراضيها الواسعة، ووفرة مصادرها الطبيعية.

واحتفاظها بمقعد في مجلس الأمن الدولي، وبمخزون من الأسلحة النووية تنافس به الولايات المتحدة. ويشير إلى أن روسيا دولة ذات حجم سكاني تقلص إلى نحو 145 مليون نسمة مما يجعلها الآن أصغر من باكستان، بالإضافة إلى ناتج محلي إجمالي يكاد يساوي حجم الناتج في البرازيل.

ويعرب ريتشارد هاس عن شكه في بروز أهمية روسيا بل وحتى قدرتها على البقاء في المستقبل. ويبدو أن القادة الروس ـ مثل قادة الصين ـ قد قرروا أن السبيل الوحيد لاستعادة روسيا لمكانتها كقوة كبرى يتطلب تحولا اقتصاديا يقتضي بدوره استقرارا طويل المدى في الداخل والخارج، وعلاقة عمل جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية.

وقد أوضح ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي عقد في 23 ديسمبر 2004، إذ قال إن «الولايات المتحدة أحد شركائنا ذوي الأولوية.

وقد نفذنا حجما كبيرا من المشروعات المشتركة في المجال الاقتصادي، ولاشك في أننا أصبحنا شركاء في سلسلة من قضايا هذه الأيام المهمة وفي مقدمتها مواجهة الإرهاب، بل ونستطيع القول إننا أكثر من شريكين فنحن حليفان في هذا المجال».

ويحدد الكتاب أوجه الاختلاف بين الصين وروسيا من جانب، والولايات المتحدة الأميركية من جانب آخر، بالنسبة للقضايا والأفكار المتعلقة بكيفية تنظيم العالم وإدارة شؤونه. ومثال ذلك أن الصين وروسيا اتفقتا في الاتفاق الذي عقد عام 2001، على توحيد جهودهما للمحافظة على «توازن استراتيجي كوني» مما يوحي بشعورهما بالقلق من التفوق الأميركي.

ومع ذلك فإن ما يجب ملاحظته هو ما لم تذكره تلك السطور فليس هناك أي انتقاد مباشر للولايات المتحدة، ولا كثير من الحديث عن العلاقة الصينية ـ الروسية التي لا ترقى إلى ما يشبه التحالف أو الجهد التقليدي لمواجهة القوة والنفوذ الأميركيين. ويخرج المؤلف من ذلك إلى التأكيد على عجز روسيا والصين عن منافسة أميركا، وعلى أن الدولتين تعلمان ذلك جيدا..

وعند الحديث عن الهند يقول ريتشارد هاس إنها مازالت أقرب إلى الولايات المتحدة، وأنها دولة ديمقراطية على العكس من الصين وروسيا. ولم تكن الهند عدوا حقيقيا للولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة، ولم تكن منحازة للاتحاد السوفييتي ضدها رغم دورها في حركة عدم الانحياز.

وقد تلازم مع نهاية الحرب الباردة إصرار الهند على الاستفادة من الانضمام إلى الاقتصاد العالمي، ومن وجود جالية أميركية ـ هندية قوية يبلغ تعدادها نحو مليوني نسمة، ومن ثم تخلت عن نزعة معاداة الأمركة التي انعكست على سياساتها الخارجية طوال معظم سنوات الحرب الباردة.

وقد بلغ هذا التحول إلى حد أن رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ أصبح يتحدث عن وجود «مصالح متبادلة واكتمال في الأهداف الكبرى» مما يشكل أساسا لشراكة هندية ـ أميركية مستدامة مكرسة «لبناء نظام عالمي جديد مستقر وآمن ومزدهر وعادل» على حد قوله. ويعلق مؤلف الكتاب على حديث رئيس الوزراء الهندي بقوله إن تلك هي لغة دولة تسعى إلى التكامل باعتبارها قوة كبرى.

ويُرجع المؤلف ذلك إلى حاجة الهند إلى التركيز على النمو الاقتصادي لأن بها نسبة من السكان الأكثر فقرا من أية دولة أخرى، بالرغم من أن بها أيضا أضخم طبقة متوسطة في العالم. ونتيجة لذلك فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من ثلاثة آلاف دولار في السنة.

وهو أدنى من روسيا بنحو ألف دولار، ومن الصين بنحو ألفي دولار. كذلك من المتوقع خلال عقود قليلة أن يزيد عدد سكان الهند ليصبح الأكبر في العالم. لذلك كله تحتاج الهند إلى نمو اقتصادي مستدام يقترب من نسبة تتراوح بين 8 و10%.

ويمكن تحقيق هذه النسبة إذا استطاعت جذب الاستثمارات والتكنولوجيا الأميركية، والوصول إلى السوق الأميركي. ولا ندري لماذا يصر مؤلف الكتاب على أن الهند لن تستطيع إنجاز نموها الاقتصادي إلا باللجوء إلى الاستثمارات الأميركية وحدها دون دول العالم الأخرى القادرة أيضا على الاستثمار في دولة كالهند.

منافس حقيقي

ويلفت الكتاب النظر أيضا إلى منافس آخر محتمل يصفه بأنه قد يكون أكثر تعقيدا من الصين وروسيا والهند وهو التوافق المحتمل بين اليابان وأوروبا الحليفتين للولايات المتحدة، ولكن المؤلف يشير إلى وجود اختلافات مهمة بين هاتين القوتين، فرغم انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، مازال معظم اليابانيين يعتبرون العالم مكانا خطيرا، وينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها صديقا مفيدا.

وتواجه اليابان بشكل مباشر الريبة في نوايا كوريا الشمالية التي تطور أسلحة نووية وتجري اختبارات على صواريخ تستطيع الوصول إلى طوكيو. وهناك أيضا نزاعات إقليمية مع روسيا، وتحديات صعود الصين. وينفي ريتشارد هاس أن يكون تردد اليابان في الارتباط الوثيق بالولايات المتحدة عائدا إلى نزعة مناهضة للأمركة رغم اعترافه بوجود جانب منها لدى الشعب الياباني.

ولكنه يُرجع هذا التردد إلى الخلاف الداخلي الذي لم يحسم حول دور اليابان في العالم، وحول مدى استمرار اعتبارها حالة خاصة بسبب دورها في الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فإن الاتجاه السائد هو أن على اليابان أن تصبح أكثر فاعلية في العالم، وأكثر من مجرد كونها قوة اقتصادية ذات بعد واحد..

أما أوروبا فهي حالة أكثر تعقيدا كشريك محتمل للولايات المتحدة، فقد شرعت في عملية تاريخية يمكن وصفها بدقة بأنها عملية تكاملها الذاتي. وتمثل تجربة أوروبا عبر نصف القرن الأخير نموذجا ناجحا لكيفية تضامن الدول وتعاونها رغم عداوة الماضي وتفاوت الحاضر، ولكن ذلك لا يعني في رأي المؤلف أنه يصلح نموذجا للتطبيق في أي مكان آخر.

ويبرر تحفظه هذا بأن التكامل الأوروبي شديد الترابط الحميم والبيروقراطية فضلا عن أنه ناتج ـ في أغلبه ـ عن تاريخ أوروبا الفريد، ولذلك لا يصلح مثالا يحتذى في مناطق أخرى ناهيك عن العالم بأسره.

ونلاحظ هنا أن مؤلف الكتاب يغفل أن وطننا العربي يتمتع بكل مقومات الاتحاد والتكامل بين دوله وبما يفوق ما يربط الدول الأوروبية بكثير ولكن تنقصنا الإرادة للأسف الشديد.

ويشير صاحب الكتاب إلى أن العلاقة الأميركية ـ الأوروبية يسودها الاضطراب، وأن ذلك لا يدعو إلى الدهشة لأنه ليس بجديد فقد كانت العلاقات عبر الأطلسي عاصفة في معظم الأوقات أثناء الحرب الباردة كما يوحي بذلك عنوان كتاب هنري كيسنجر: «الشراكة المضطربة«. ومع ذلك ما زال هناك بعض الاختلاف في المشاكل الحالية. إن نهاية الحرب الباردة وزوال الخطر السوفييتي وضعا نهاية للمبرر الأساسي للتحالف العسكري.

وانطلقت أميركا وأوروبا إلى استكشاف أوجه الخلافات بينهما بمجرد انتهاء حاجتهما إلى تشكيل جبهة مشتركة معادية للشيوعية. وكان من السهل العثور على تلك الأوجه. ولقد كان لتعاقب الأجيال تأثير في هذا المجال. فبالنسبة لمن هم تحت سن الستين تعتبر أميركا التي قادت التحالف المثير للجدل الذي هاجم العراق.

والتي ترفض المحكمة الجنائية الدولية وبروتوكول كيوتو، أقل شعبية من أميركا التي حررت القارة الأوروبية في الحرب العالمية الثانية. كذلك تثير الخلافات على القضايا الاجتماعية توترات كثيرة عبر الأطلسي مثل عقوبة الإعدام والإجهاض وسياسة مكافحة المخدرات. وحتى نجاح أوروبا قد يكون مصدرا للصعوبات لأن من الطبيعي أن يرى الأوروبيون العالم من خلال منظار تحدده تجربتهم الحاضرة، بينما يراه الأميركيون في الغالب من خلال معايير قتالية.

وقد قال مراقب فرنسي يتمتع بالفطنة: «لقد خرجنا من حرب باردة تشكلت من عالم غربي واحد وعالمين أوروبيين اثنين، إلى عالم حالي يتكون من أوروبا واحدة وعالمين غربيين«. ومع ذلك فقد اشترك الأوروبيون والأميركيون معا بعد غزو العراق للكويت، بعد نهاية الحرب الباردة بقليل عام 1990.

وفي نفس هذا العقد عمدوا أيضا إلى تجاوز خلافاتهم وتعاونوا لحماية سكان البوسنة وكوسوفو، ثم ما لبثوا أن وجدوا وسيلة لتوسيع حلف شمال الأطلسي وإعادة توجيهه لردع الإرهابيين عن الاستمرار في أنشطتهم والعمل على استقرار أفغانستان بعد الحرب..

الخيارات الأميركية

بعد أن ينتهي المؤلف من استعراض علاقات بلاده بالقوى الكبرى يتناول الخيارات الأميركية، ويستهل ذلك بالقول إن حكومات القوى الرئيسية في العالم سوف تتعاون مع الولايات المتحدة فقط في حالة وجود سياق ترى فيه جماهيرها حماية لمصالحها الوطنية الأساسية ولن تنجح عملية التكامل إذا رأت أنها تخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية حتى لو توافقت إلى حد كبير مع مصالح الدول الأخرى.

ولذلك يجب التوجه إلى أولويات تلك الحكومات أيضا. وعند سرده لتلك الأولويات يبدؤها المؤلف بالصين معتبرا أن القضية البارزة هي مسألة تايوان التي لا تعتبرها الصين مسألة سياسية خارجية ولكنها تخص الشأن المحلي وتعتبرها أمرا يقع في قلب هوية الأمة، فالصين تعتبر تايوان جزءا لا يتجزأ من الدولة.

والسؤال الوحيد الذي يفكر فيه قادة الصين وشعبها هو متى وكيف يتحقق توحيد البلاد. أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة فهي لا تتحدى مباشرة فكرة وجود كيان سياسي صيني واحد يضم تايوان. وقد وافقت إدارة الرئيس الأسبق نيكسون على ذلك في شهر فبراير عام 1972 فيما سمي آنذاك «إعلان شنغهاي» الذي أرسى أسس العلاقات بين واشنطن وبكين.

وقد جاء فيه أن «الولايات المتحدة تقر بأن جميع الأراضي الصينية على كل من جانبي مضيق تايوان ليست إلا صينا واحدة، وبأن تايوان جزء من الصين. ولا اعتراض لحكومة الولايات المتحدة على ذلك».

ومنذ ذلك الوقت التزمت بذلك كل إدارة أميركية جمهورية كانت أو ديمقراطية، وأكدت موقفها عن طريق إقامة علاقة دبلوماسية رسمية مع الدولة الأم. وفي نفس الوقت حافظت واشنطن على التزامها بمعارضة أي لجوء للقوة أو أي إجراء قسري يهدد النظام الاجتماعي أو الاقتصادي لشعب تايوان أو أمنها. والتزمت واشنطن أيضا بإمداد تايوان بالمعدات والخدمات الدفاعية.

غير أن زعماء تايوان أخذوا يمارسون إجراءات ترقى إلى ما يمكن اعتباره سياسة «دولتين صينيتين»، بينما قامت جمهورية الصين الشعبية بتعزيز قوتها العسكرية بثبات وإصدار تحذيرات وإرسال إشارات بانتظام تفيد بأنها لن تتهاون في رفض استقلال تايوان.

ويعرب المؤلف في هذا الصدد عن تخوف الولايات المتحدة من استخدام الصين القوة العسكرية لضم تايوان لأن السماح لها بذلك سوف يشكل سابقة مرعبة في المنطقة وما وراءها ويمكن أن تفجر موجة من التسلح وحتى انتشار الأسلحة النووية. وقد يتمثل انعكاس ذلك على عدد من حكومات المنطقة، في الشعور بالرعب من الصين والشك في إمكان الاعتماد على أميركا، من جانب آخر.

وحذرت إدارة جورج دبليو بوش زعماء تايوان من التمادي في التوجه نحو الاستقلال وأوضح الرئيس الأميركي موقف حكومته في خطابه يوم 9 ديسمبر 2003 أثناء زيارة وين جياباو رئيس الوزراء الصيني، فقال: «إننا نعارض أي قرار انفرادي من جانب الصين أو تايوان بتغيير الأمر الواقع.. وموقف السياسة الأميركية هو صين واحدة»..

وعمد بوش في كلامه إلى تأنيب تصريحات وتصرفات حاكم تايوان التي تشير إلى أنه قد يتخذ قرارات منفردة لتغيير الأمر الواقع. ويرى مؤلف الكتاب أن المفهوم الضمني في هذا التأنيب هو أن تقرير المصير ليس ـ ولا يمكن أن يكون ـ حقاً عالمياً. ولعلنا نجد في هذا القول أحد الأهداف الصهيونية الأميركية ـ الرامية إلى حرمان بعض الشعوب من حقها في تقرير مصيرها وفي مقدمتها شعب فلسطين.

ويكشف هذا الهدف ما يذكره كتاب هاس (في صفحة 150 من الفصل السادس) إذ يشير إلى أن إعلان استقلال بعض الدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية تم بسهولة، أما في الوقت الحاضر فإن الأمر على العكس من ذلك إذ أن كل الدول المرشحة للاستقلال، بما فيها كردستان وفلسطين والتبت، قد تشعل حرباً بإصرارها على إعلان استقلالها من جانب واحد أو تواجه مشكلات حقيقية في قدرتها على البقاء، أو تواجه الحالتين معا.

ثم يقول ريتشارد هاس أنه يقتبس من معاهدة كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر ما يفيد بأن تلك المعاهدة ترسي مبادئ معالجة المطالب الوطنية الفلسطينية في إطار الحفاظ على أمن إسرائيل.

ويخرج هاس من ذلك كله إلى أن لتايوان الحق في الاشتراك في تقرير مصيرها لا الحق في تقريره بمفردها!! ثم يشير المؤلف إلى الموقف المتناقض الذي تقفه واشنطن لأن تصاعد النزاع بين الصين وتايوان قد يؤدي إلى صراع عام بين الولايات المتحدة والصين مما يعتبر كارثة.

وإذا ما استخدمت الصين القوة العسكرية ونشبت الحرب فيجب حصرها في نطاق محدود قدر الإمكان من حيث نوع الأسلحة وأهداف الحرب، وعلى الولايات المتحدة أن تستمر في معارضتها لضم تايوان بالقوة أو لاستقلالها.

أما تعامل واشنطن مع روسيا فإنه يحتاج ـ في رأي المؤلف ـ إلى إدراك الولايات المتحدة لاعتزاز روسيا التاريخي بمكانتها كقوة هامة، ولذلك فعلى أميركا معاملتها باحترام وخاصة بالنسبة لعلاقاتها بالدول التي كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفيتي.

ولكن المؤلف يتحفظ هنا قائلاً إن على الولايات المتحدة ألا تتعامل مع تلك البلاد باعتبارها ضمن مجال النفوذ الروسي، وقد كانت إدارة بوش محقة في دعم حق أوكرانيا في إجراء انتخابات حرة وعادلة في أواخر عام 2004.

ولكن يجب على تلك الإدارة أن تضع في اعتبارها الاهتمامات الروسية المشروعة. ويسهب ريتشارد هاس بعد ذلك في سرد نصائح للولايات المتحدة ترسم بسياستها إزاء روسيا في مجالات مختلفة نلخصها فيما يلي:

ـ يجب على واشنطن أن تفكر مرتين قبل إقامة قواعد عسكرية في الدول القريبة من روسيا.

ـ ومن الحكمة أن تضع في اعتبارها تركيز سياسة روسيا الخارجية في معظمها على التجارة ذلك لأن البحث عن الأرباح أصبح يشكل بشدة تلك السياسة الخارجية.

ـ يترتب على ذلك أنه لا يضايق واشنطن كثيراً أن تبيع روسيا مفاعلاً نووياً لإحدى الدول، ولا تصر الولايات المتحدة على ذلك لأنها يجب أن تعمل مع موسكو على سيطرة روسيا أو المجتمع الدولي على إمدادات الوقود النووي.

ـ يجب ألا تعمل الولايات المتحدة على عزل روسيا، ولا ينبغي استبعاد عضويتها في منظمة حلف شمال الأطلسي في المستقبل لأن هذه المنظمة لم تعد دفاعية من أجل حماية أراضي أعضائها من اعتداء أية دولة أو حلف مع الاتحاد السوفييتي مثل حلف وارسو.

والغالب أن مهمة منظمة حلف شمال الأطلسي أصبحت الدفاع ضد الإرهاب الذي يمارسه ناشطون لا ينتمون إلى دول مثل تنظيم القاعدة، كذلك يشترك الحلف في مواجهة التحديات الأمنية خارج منطقة الحلف وخارج أوروبا مثل أفغانستان أو العراق.

ـ والأهم من ضم روسيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي هو دمجها في الاقتصاد العالمي الذي تعتبر منظمة التجارة العالمية إحدى آلياته.

عرض ومناقشة: صلاح عويس