يتناول مؤلف الكتاب في هذه الحلقة ما يسميه دمج الدول أو التكامل فيما بينها، ويقرر أن الوقت قد حان لفكر جديد بشأن سيادة الدول، ووضع برامج وترتيبات جديدة من أجل مواجهة أفضل للإرهاب، ووقف انتشار الأسلحة النووية، وتقليص أعداد الأبرياء في أنحاء العالم المعرضين لمخاطر النزاعات الداخلية والأمراض.

وهنا يقفز المؤلف إلى ما يسميه «القليل من انتقاص السيادة» ويجعل منه عنوانا لفصل خاص في كتابه يستهله بقوله إن محاولة بناء عالم أكثر تكاملا لم تبدأ من فراغ إذ يوجد بالفعل جانب من مجتمع دولي وجهود موحدة.

ليست العلاقات الدولية المعاصرة مجرد صراع مطلق، بل على العكس هناك بعض المبادئ الهامة التي سادت على نطاق واسع وأصبحت مدعمة بإجراءات مؤسسية في بعض المناطق، أي أن العالم أصبح متكاملا نوعا ما في بعض الجوانب مثل التجارة. وهناك أيضا تأييد شبه عالمي لحق الدفاع عن النفس وهو المبدأ الذي نصت عليه المادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وفي مجال الأمن توجد مجموعة من اتفاقيات الحد من التسلح.

وشهد المجال السياسي نوعا من الإجماع في عدد من الاتفاقيات الدولية الداعمة لحقوق الإنسان والديمقراطية ومناهضة التعذيب والرق والإبادة الجماعية. وتتمتع الأمم المتحدة ببعض السلطة أحيانا رغم ضعفها وقصورها. وهناك تجمعات تساهم في التعاون الدولي مثل مجموعة الدول الثماني التي تضم كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والعديد من المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي، ومنظمة الدول الأميركية.

ورابطة دول جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ويخضع العالم أيضا لمجموعة من الترتيبات التقنية مثل معايير سلامة الطيران، والاتفاقيات الخاصة بالاتصالات، والقواعد الدولية الخاصة بالسياسات الزراعية والصحية. وقد أصبحت هذه الاتفاقيات جميعها جوهرية لتسهيل حركة السفر على المستوى العالمي، والبث الإذاعي، والتجارة، والسلامة.

وفي مجال البيئة نجد مستوى هاما من التكامل وخاصة الإجراءات الدولية التي تقررت بمشاركة شبه كونية لحماية طبقة الأوزون وتحريم الملوثات العضوية. وقد شاركت معظم دول العالم في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التحولات المناخية، وبينما صادقت جميع القوى العظمى الأخرى على بروتوكول كيوتو ووافقت على تنفيذه، رفضت الولايات المتحدة الأميركية ذلك.

وكذلك هناك نماذج أخرى في النطاق الاقتصادي مثل منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ونادي باريس لإعادة جدولة الديون، ومجموعة السبعة التي تضم الدول الصناعية المتقدمة (أي مجموعة الدول الثماني باستثناء روسيا)، وبنك التسويات الدولية، والوكالة الدولية للطاقة النووية، ووكالة الطاقة الدولية (التي أنشئت لمساعدة الدول المستوردة للنفط على تجاوز حالات انقطاع الإمدادات)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

معايير السيادة

ويرى ريتشارد هاس أن إحراز تقدم في إنجاز الأهداف التي أشار إليها يتطلب فكرا جديدا يؤدي إلى اختلاف كبير عن العلاقات الدولية كما نعرفها الآن، لأنه سوف يمس سيادة الدولة. وتمثل تلك السيادة حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة، وهي قاصرة على الدول وحدها، فالدول هي التي تتمتع بالحقوق، وتلتزم بالأدوار، وتهيمن على التجمعات الدولية، وتتمتع بعضوية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

ويتساءل المؤلف: «إذن ما الذي يجعل دولة ما ذات سيادة؟» ويجيب قائلا :«من الناحية النظرية تكون الدولة مؤهلة للتمتع بالسيادة بناء على أربعة معايير هي: أولا: يجب أن تمتلك الدولة ذات السيادة سلطة سياسية عليا، وأن تحتكر الاستخدام المشروع للقوة داخل حدودها، وثانيا: يفترض في الدول ذات السيادة أن تكون قادرة على السيطرة على حدودها وتنظيم ما يدخل إليها وما يخرج منها. وثالثا: أن تتمتع الدولة بحرية تبني السياسات الخارجية والداخلية التي تريدها.

ورابعا: أن تحظى الدولة باعتراف نظيراتها من الدول. تلك هي المعايير النظرية التي يحددها الكتاب حتى يمكن اعتبار دولة ما ذات سيادة، غير أن واقع الأمر في العلاقات الدولية يختلف مما جعل المؤلف يستدرك بقوله إن اختبار مدى سيادة الدولة أصبح أكثر تساهلا من تلك الشروط النظرية، إذ نجد أن سيادة الدولة لم تعد مطلقة في الحياة العملية.

وقد استمرت حكومات كثيرة في محاولة التأثير على التطورات الداخلية، في دول أخرى، مرة بحجة التمسك بمبادئ رفيعة (كدعم الحرية مثلا)، ومرة أخرى لأسباب تتعلق بسياسات أدنى من ذلك (مثل إضعاف دولة منافسة من داخلها). وفي أغلب الأحوال يستطيع المهربون وغيرهم اختراق الحدود متمتعين بالحصانة، مثلما تفعل مؤسسات متعددة الجنسية.

ويستطرد صاحب الكتاب كثيرا في ذكر المبررات والذرائع لتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى مرة بحجج أخلاقية وأخرى أمنية واقتصادية، الأمر الذي يعطي انطباعا فوريا للقارئ بأنه يبرر تدخل الولايات المتحدة الأميركية في كثير من الحالات وفقا للتوجه الإمبراطوري للإدارة الأميركية، وخاصة أنه يُقّر بأن إعمال هذا المبدأ هو في صالح الشعب الأميركي ومصالح الولايات المتحدة، ويتعلل بأنه لم يعد أي بلد جزيرة منعزلة.

ويضيف المؤلف أنه مما لا يتفق مع هذا الزمن مبدأ تقسيم العالم إلى مجال داخلي وآخر خارجي، ويرفض كذلك أن سياسات أميركا الخارجية والأمنية يمكن أن تقتصر على الشؤون الخارجية وأن تتجاهل الشؤون المحلية للدول الأخرى. ويؤكد ريتشارد هاس أن السياسة الخارجية الأميركية تحتاج إلى الاهتمام بالسياسات المحلية للآخرين.

وفي مناقشتنا لتلك الآراء التي يطرحها الكتاب وبحثنا في آراء مطروحة لا تسلم بحق أميركا في التدخل في شؤون الدول الأخرى، نجد أن كثيرا من المحللين والمفكرين السياسيين في بلادنا العربية .

وفي أميركا نفسها وفي دول أخرى ينكرون هذا الحق المطلق وينتقدون بشدة ما أسموه «التوجه الإمبراطوري» لإدارة بوش، ففي مقال نشرته صحيفة الحياة، يُرجع المفكر المصري جميل مطر فشل «مبدأ بوش» وتصاعد الحملة العالمية المضادة لدعوته لنشر الديمقراطية، إلى اهتزاز سمعة الرئيس الأميركي وسياساته الخارجية. وانتهاكات حكومته لحقوق الإنسان وتدهور مكانة الولايات المتحدة وشعبيتها في الخارج.

ويذكر المفكر المصري أن التركيز الأميركي على العراق كنموذج تقلده كافة دول ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير أصاب حملة الديمقراطية كلها بأذى شديد وشجع خصوم الحملة على شن هجومهم المضاد وخاصة عندما تدهورت الأحوال في العراق، كما أن تراوح السياسة الأميركية بين الالتزام الأيديولوجي والواقعية السياسية بشكل غير منتظم غرس الاقتناع بانتهازية السياسة الأميركية التي تسكت عن ممارسات غير ديمقراطية من بعض حلفائها، ولا تسكت عن ممارسات حكومات أخرى.

ويتردد في الشرق الأوسط أن الحملة في دول الغرب ضد الإسلام والعرب، وموجات التصعيد في التأييد للإرهاب الإسرائيلي، أحبطت أحلام الديمقراطيين العرب وأضافت إلى الشكوك في النوايا الأميركية.

والغريب أن ريتشارد هاس، الذي يطالب دول العالم بالتنازل عن جزء من سيادتها لتسمح لقوى أخرى بالتدخل في شؤونها، يعود فيذكر أن لدى الأميركيين تقليدا طويل المدى في الشك في الحلفاء والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت مؤخرا.

وأن الولايات المتحدة تستفيد كثيرا من مفهوم وجود دول محدودة السيادة، ولكن المؤلف لا يتناول بالتفصيل الفوائد التي تعود على بلاده رغم أن العالم كله يعرف جيدا أن هدف الإدارة الأميركية يرمي إلى إحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بما فيها من مصادر الطاقة، وإتاحة الفرصة لإسرائيل للهيمنة على المنطقة العربية وضرب أية قوة تتاح لأي من دولها.

أشكال التدخل

ويشير الكتاب إلى أن التدخل في شؤون الدول الأخرى يمكن أن يتخذ عدة أشكال بدءا من الإعلان الكلامي العلني، والدبلوماسية السرية، والعقوبات الاقتصادية والسياسية، حتى التدخل المسلح. وعندما يصل الأمر إلى حد استخدام القوة العسكرية يمكن أن يصبح الهدف هو حماية سكان دولة معرضين للخطر. وهذا النوع من التدخل يسميه مؤلف الكتاب زالتدخل لأسباب إنسانيةس ويزعم أن هناك تأييدا متناميا لشرعية التدخل تحت شعار المبررات الإنسانية.

وخاصة في الولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية، ويستشهد بتأييد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني، في تصريح له في ابريل 1999 يقول فيه: زإن مبدأ عدم التدخل يجب أن يكون معلقا في أمور مهمة. ولا يمكن أبدا اعتبار الإبادة الجماعية شأنا داخليا صرفا. وعندما يولّد القهر فيضانا ضخما من اللاجئين يهدد استقرار دول مجاورة، يمكن عندئذ اعتبار ذلك بدقة «تهديدا للسلام والأمن العالميين»!!

ثم يورد المؤلف تفاصيل كثيرة معروفة لدينا جميعا عن حالات التدخل التي أقرتها السياسة الخارجية في الصومال والبوسنة وكوسوفو وهاييتي ورواندا وتيمور الشرقية، حتى ولو كان الهدف هو الإطاحة بنظام حكم قائم كما هو الحال في الحرب ضد العراق عام 2003.

ثم يشير الكتاب إلى أن المعيار الذي يوضح مدى تقدم الفكر العالمي بالنسبة للتدخل الإنساني، يكمن في الوثيقة الأساسية لتشكيل الاتحاد الأفريقي في يوليو عام 2000، فبعد الحديث عن مبدأ عدم تدخل دولة عضو في الشؤون الداخلية لدولة أخرى من أعضاء الاتحاد، تعلن الوثيقة «حق الاتحاد في التدخل في دولة من الأعضاء، بناء على طلب من الجمعية العمومية التي تضم جميع الدول ذات العضوية، في حالة وجود ظروف خطيرة هي جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية» .

ولا يجب التهوين من قدر هذه المفارقة الفكرية والسياسية خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تنص بوضوح على ضرورة أن «تمتنع الدول الأعضاء، في علاقاتها الدولية، عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد وحدة أراضي أية دولة أو استقلالها السياسي..» ويعلق ريتشارد هاس على ذلك بقوله: وهنا تكمن الفرصة، فقد زاد اعتناق العالم لمفهومين اثنين اعتبرا أخيرا تحولا راديكاليا وهما: أن سيادة الدول ليست مطلقة، وأن التدخل الخارجي ليس مرفوضا دائما، ولا يعتبر دائما تهديدا للنظام.

وعلى العكس بدأت تسيطر وجهة نظر ترى أن التدخل الخارجي ضرورة تفرضها ظروف معينة للحفاظ على الحياة وعلى السلام. ورغم حديثه عن هذه «الفرصة» كما يسميها لاستغلال التدخل الخارجي، فإن المؤلف يغفل أن الولايات المتحدة نفسها أهدرت ثروة أخلاقية هائلة حيث زاوجت حملة التبشير بالديمقراطية، بحملات عسكرية وتخريبية وبحروب شبه عنصرية فأضاعت على شعوب العالم، وخاصة شعوب ما يسمى بالشرق الأوسط، فرصة قد لا تتكرر في وقت قريب لتحصل على حرياتها وحقوقها السياسية، على حد تعبير المفكر السياسي المصري جميل مطر في حديثه عما أسماه «ديمقراطيات بوش».

صمت مريب

وفي هذا الصدد يلتزم المؤلف الصمت إزاء الحديث عن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط بالرغم من الانتقادات العديدة التي وجهت إليها سواء في داخل بلاده أو في دول أوروبا وبقية دول العالم، من ذلك مثلا حديث الكاتب البريطاني الشهير باتريك سيل الخبير في شؤون الشرق الأوسط، عن فشل السياسة الأميركية في تلك المنطقة، إذ يرى أن الرئيس الأميركي بوش لم يكن في يوم من الأيام أحوج إلى الشجاعة السياسية مثلما هو في حاجة إليها الآن.

فالشرق الأوسط على شفير كارثة قد تؤثر على أميركا نفسها ما لم تقم بعمل حاسم وجذري لمواجهة الموقف، فالسياسات الأميركية أدت إلى إشعال النار في المنطقة، والسبيل الوحيد لإخمادها هو تغيير هذه السياسات. ويتناول الكاتب البريطاني تفاصيل نتائج فشل تلك السياسات فيقول إن العراق يوشك أن يصبح مسرحا لحرب أهلية وحشية.

وإيران، المستفيد الوحيد من الفوضى التي تسود المنطقة، تتابع تحديها بالإصرار على برنامجها النووي، وأفغانستان التي عادت طالبان تهددها من جديد، تعاني آثار الأفيون المدمرة وتوشك على الانزلاق إلى الهاوية. وفي باكستان يسير الرئيس مشرف على صراط خطير بين سياسات أميركا الاقتحامية العمياء «والحرب على الإرهاب» وبين خصومه الحريصين على قلب نظامه. ويضيف باتريك سيل قوله:

أما إسرائيل التي تدعي أنها بحاجة الآن إلى «عمق استراتيجي» أكبر فإنها تخطط للاستيلاء على أكثر من ربع الضفة الغربية، الأمر الذي يعتبر بمثابة وصفة لمزيد من العنف لأنه يقلص أية دولة فلسطينية في المستقبل إلى مجموعة بائسة من الكانتونات المنعزلة التي لا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبل بها وخاصة إذا كانت الحكومة بقيادة حركة حماس.

لقد تصورت إسرائيل أن سحق العراق سيؤدي إلى عهد تسود فيه الهيمنة الأميركية - الإسرائيلية على المنطقة غير أنها نادمة اليوم على دعمها الحماسي لقلب نظام صدام حسين، ذلك لأن الحرب برهنت على محدودية القوة الأميركية أمام المقاومة الشرسة التي أيقظها الغضب الإسلامي (باتريك سيل في صحيفة الحياة عدد 3 مارس 2006).

ونلاحظ أن الكثيرين في أنحاء العالم يلقون باللوم في قائمة الكوارث على أميركا، حتى أن الأميركيين أنفسهم أخذوا يتحدثون عن تزايد الكراهية لأميركا بين شعوب الشرق الأوسط. ومع ذلك كان الأحرى بسياسي بارز مثل ريتشارد هاس أن يتحدث عن الفرصة أمام الرئيس بوش لحل أزمة العراق والنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي حلا عادلا وشجاعا، غير أن المؤلف يقف إلى جانب فكرة التدخل الخارجي وانتقاص سيادة الدول، ويصر على أن كل المطلوب هو توفر الإرادة لدى القوى الخارجية، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، للتدخل أو للتمويل والتدريب والتجهيز ودعم القوات الإقليمية المستعدة للقيام بالجانب الشاق من عملية التدخل.

القتل لأهداف سياسية

وينتقل المؤلف بفكرة تنازل الدول عن سيادتها إلى الحديث عن الإرهاب في الفصل الثالث من الكتاب الذي يبدؤه بقوله إن الالتزام الجوهري في السيادة يتمثل في تعهد الحكومات بعدم تأييد الإرهاب الذي يصفه بأنه القتل العمد للرجال والنساء والأطفال الأبرياء على يد أشخاص - غير الدول - لأهداف سياسية.

وعلى الحكومات أيضا ألا تسمح لهم باستخدام أراضيها أو مواردها، وإذا ما فعلت ذلك دولة ما أو شجعت الإرهاب أو سمحت بانطلاقه من أراضيها، تكون بذلك قد ارتكبت عملا من أعمال الحرب. ويستدرك هاس قائلا:

زولكن الإرهاب يمكن أن يقع دون دعم الدولة إما بسبب ضعف الدولة أو جهل الحكومة بما يجري بالفعل، ولذا فإن هدف السياسة الخارجية الأميركية يجب أن يتجه إلى حشد موافقة واسعة النطاق على فكرة عدم السماح في عالم اليوم بأي شكل من أشكال القتل المتعمد للأبرياء ولا يهم اعتناق الناس لفكرة مختلفة في الماضي، أو استخدام بعض الناس للإرهاب وتبريره في وقت من الأوقات.

إن اعتبار الإرهاب ودعمه عملا غير مشروع يساوي بالضبط الدعوة إلى إلغاء الرق. ويشير المؤلف إلى أن الإرهاب الحديث مدمر جدا ولذا لا يمكن السماح به. ويدعو الكتاب حكومات العالم إلى الإجماع على هذا الرأي وبعد ذلك يمكن لها مناقشة ما يجب عليها عمله بالتحديد.

ويؤكد هاس إحراز تقدم بارز في هذا المجال ووجود اتفاق دولي واسع النطاق على عدم التغاضي عن الإرهاب أو دعمه بأي حال من الأحوال. وقد اشتركت جميع القوى العظمى في نحو اثني عشر مؤتمرا دوليا وساهمت بالتصويت لصالح قرارات كثيرة للأمم المتحدة ضد احتجاز الرهائن واختطاف الطائرات المدنية، والإرهاب بمعناه الواسع. وأنشئت قوة العمل المالية في عام 1989 لمنع عمليات غسيل الأموال، وتوسعت مهمتها لتشمل منع تمويل الإرهاب.

وبعد هجمات 11 سبتمبر أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1373 الذي ينص على عدة خطوات ينبغي على جميع الدول اتخاذها لمنع تمويل العمليات الإرهابية، كما يطالب القرار تلك الدول بعدم توفير ملجأ آمن للإرهابيين وتقديم أي شخص يرتبط بالإرهاب إلى القضاء، وقمع محاولات الجماعات الإرهابية لتجنيد العناصر وامتلاك الأسلحة.

ويطلب قرار مجلس الأمن أيضا من حكومات دول العالم أن تتعاون فيما بينها، ومع المنظمات الدولية، حتى يصعب على الإرهابيين الاستمرار في نشاطهم. وبناء على نفس القرار أنشئت لجنة مناهضة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة لمراقبة تنفيذ التعهدات بمحاربة الإرهاب. ويشير المؤلف إلى وجود تعاون واسع النطاق في تبادل المعلومات وتطبيق القانون بين الدول، ويرى أن هذه كلها مظاهر للتكامل في العمل بين دول العالم.

ومن الأحداث التي يؤكد المؤلف بها وجهة نظره اتساع مدى التأييد لشرعية العمل ضد أية دولة تنشط في دعم الإرهاب. وكانت هذه الفكرة جوهر عملية طرد حركة طالبان بقيادة الولايات المتحدة. ويذكر صاحب الكتاب أن تلك الحركة لم يكن لها دخل بأحداث 11 سبتمبر ولم يكن هناك عناصر أفغانية بين الإرهابيين على متن الطائرات التي قتلت ثلاثة آلاف من الأبرياء، ولكن طالبان هي التي سمحت بأن تكون أفغانستان مقرا لتنظيم القاعدة.

وقد احتشد المجتمع الدولي حول أميركا، وفي 14 نوفمبر 2001 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1378 بإجماع الأصوات. ومع ذلك يدرك ريتشارد هاس أن من الخطأ القول إن هناك إجماعا عالميا في هذا المجال وذلك بسبب عدم الاتفاق على الأعمال التي تشكل الإرهاب.

ويذكّر المؤلف قراء كتابه إلى التعريف الذي أشار إليه من قبل وهو أن الإرهاب هو القتل العمد لغير المحاربين وللمدنيين على يد أفراد لا يمثلون دولة ولغايات سياسية، ويقول ليس ضروريا أن يوافق الجميع على هذا التعريف. والمشكلة الأكبر هي في الموافقة على العلاج الصحيح عندما تقوم دولة بالأعمال الإرهابية أو تسمح للإرهابيين باستخدام أراضيها.

وفي حالات كثيرة وجدت الولايات المتحدة نفسها وحيدة عندما سعت إلى حشد دعم دولي لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على حكومات تعتبرها راعية للإرهاب مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا وكوبا، ثم يشير المؤلف إلى نجاح واشنطن في تحقيق ذلك الدعم الدولي ضد ليبيا بسبب تأثر فرنسا والمملكة المتحدة بما أسماه الدعم الليبي للإرهاب.

غير أنه يشير إلى عدم وجود اتفاق - وخاصة في أوروبا - على حكمة استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة فعالة، ذلك لأن العقوبات واسعة النطاق تفرض العقوبة أيضا على الشعب نفسه الذي يزعمون أنها فرضت لصالحه، والأكثر من ذلك أن العقوبات قد يكون لها أثر عكسي يزيد قوة السلطة المركزية للدولة الخاضعة للعقوبات.

عرض ومناقشة: صلاح عويس