يرصد مؤلف الكتاب في هذه الحلقة جوانب ضعف عديدة لأميركا رغم قوتها العسكرية والاقتصادية، وفي رأيه أن تلك الجوانب تؤثر على مناعة الولايات المتحدة على النحو الذي استعرضناه من قبل. من ذلك مثلا أن المزايا العسكرية الأميركية لا تتلاءم مع التحدي الذي تمثله المناطق الحضرية كثيفة البنيان والسكان كما هي الحال في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

ويقول ريتشارد هاس في كتابه إن تلك الجوانب السلبية هي أعراض العولمة التي تتمثل في جوهرها في زيادة حجم وسرعة وأهمية التدفقات داخل وعبر الحدود للناس، والأفكار، وغازات الاحتباس الحراري، والسلع المصنعة، والدولارات، وما تبثه الإذاعات ومحطات التلفزيون، والمخدرات، والجراثيم، ورسائل البريد الالكتروني، والأسلحة، وأشياء كثيرة غيرها.

وليست القضية هنا مجرد القول إن تصرفات إحدى الحكومات تؤثر على الغير أو تتأثر بهم، ولكنها تشمل أيضا حقيقة أن كثيرا من أهم القوى في العالم أصبح خارجا عن سيطرة الحكومات، وحتى عن علمها في بعض الحالات.

على الرغم من جميع الجوانب السلبية للعولمة إلا أن المؤلف يرى أن هناك جوانب إيجابية عديدة لها تتضمن الإنترنت، والسفر، والتجارة، وتمويل الاستثمار، وأجهزة الفاكس والهواتف وهو يعتقد أيضا أن العولمة قوة فائقة تقف وراء تحسن مستوى حياة الأميركيين ونوعية الحياة التي توفرها الولايات المتحدة لمواطنيها.

إن التعايش بين ما يمكن أن يوصف بقوى الفوضى وقوى النظام ليس جديدا، والواقع أن التاريخ يمكن فهمه على أنه التوازن أو الصراع بينها، ومن ثم فإن التاريخ تتحدد معالمه عن طريق درجة الاتفاق على خرائط الطريق بين قوى العصر العظمى وفرضها على تلك التي ترفضها. وهنا يجرنا صاحب الكتاب إلى عدة أسئلة هي: أي جانب سوف ينتصر في صراع الحاضر؟ وكيف سيكون الطابع القاطع والمؤكد لعالمنا؟

وهل سينتصر المجتمع على الفوضى؟ وإذا كان الأمر كذلك فأي نوع سيكون هذا المجتمع؟ ويرى ريتشارد هاس أنه إذا كان من المبكر جدا الإجابة على هذه الأسئلة، إلا أنه ليس مبكرا جدا الجزم بأن أعظم العناصر تأثيرا يتمثل في تصرفات الولايات المتحدة التي أطلق عليها هوبير ؟

يدرين وزير الخارجية الفرنسي السابق اسم (القوة الفائقة)، ولذلك يتساءل هاس قائلا: اذن ما الذي يجب أن تقوم به الولايات المتحدة؟ ويجيب على الفور بأن على بلاده استخدام قوتها ونفوذها لحث قوى الحاضر العظمى وأكبر عدد من الدول الأخرى، والمنظمات والمؤسسات، والأفراد إذا كان ممكنا، على دعم مجموعة من القواعد والسياسات والمؤسسات.

والتي من شأنها إقامة عالم يصبح فيه الصراع المسلح داخل الدول أو بين بعضها البعض هو الاستثناء لا القاعدة، وحيث يصعب على الإرهابيين تحقيق النجاح، وينتهي انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتصبح الأسواق مفتوحة للبضائع والخدمات، وتتمتع المجتمعات بالحرية والانفتاح على الأفكار، وتجد شعوب العالم فرصة طيبة لحياة تخلو من العنف، والفقر المدقع، والأمراض الفتاكة. ويطالب الكتاب العالم بأن يقر بأن العولمة أمر واقع وليست اختيارا.

ويستشهد في ذلك بما جاء في خطبة لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير ألقاها في النادي الاقتصادي في شيكاغو عام 1999، إذ يقول:( نحن جميعا عولميون الآن شئنا أم أبينا)، غير أن ريتشارد هاس يضيف إلى ذلك أن التصرف إزاء العولمة والتنافس بشأنها يتطلبان القيام بعملية اختيار، وأن الخيار أمام الولايات المتحدة هو بين تعددية فعالة، أو العودة التدريجية إلى عالم التنافس بين القوى الكبرى، أو إلى عالم تسوده قوى التصدع والدمار، أو إلى كليهما.

شركاء لا منافسون

والمسألة الأهم من كل ذلك الكلام المنمق الجميل، والصورة الوردية التي يرسمها المؤلف لدول العالم، هي ما يقوله لنا من أن فرصة نجاح الولايات المتحدة تحتاج منها ألا تعتبر القوى العظمى منافسين بل شركاء لها. وينطبق الشيء نفسه على العلاقات مع قوى متوسطة هامة مثل البرازيل وأميركا الجنوبية وجنوب أفريقيا ونيجيريا، وكوريا الجنوبية واستراليا وشرق آسيا.

وعلى الولايات المتحدة قبول بعض القيود على حريتها في التصرف، وبذل جهد منسق لحشد إجماع دولي على المبادئ والأسس التي يجب أن تحكم العلاقات الدولية. ويجب على واشنطن أيضا استخدام جميع أدوات السياسة الخارجية المتاحة لها لا أداتها العسكرية فحسب في غالب الأحوال. ويضيف هاس أن على بلاده أن تعمل أكثر على إصلاح المجتمعات الأخرى.

وكأن المؤلف بذلك يدعو إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى مثلما هو حادث الآن إذ يقول أيضا إن القوة ليست مثيلا للنفوذ، بل على العكس من الأفضل فهم القوة على أنها احتمال، ومن ثم فإن هدف السياسة الخارجية ترجمة هذا الاحتمال إلى نفوذ دائم.

ورغم رأي صاحب الكتاب نجد أن كُتابا ومحللين وساسة آخرين بدأوا يرون أن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة أصحاب المشروع الإمبراطوري الأميركي تجاوزوا المدى. ومن بين هؤلاء المفكرين فرانسيس فوكوياما الذي أعلن انفصاله عنهم رغم أنه كان من المحافظين الجدد أيضا، وسبق له أن بشّر بانتصار الليبرالية الغربية نهائيا في كتابه (نهاية التاريخ). ولكنه الآن انتهى من تأليف كتاب جديد عنوانه: (بعد المحافظين الجدد: أميركا في مفترق طرق).

ويذكر في كتابه أن لحظة هؤلاء المحافظين تجاوزها التاريخ بعد أن أدى انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي إلى فتح شهيتهم لمشروع إمبراطوري أميركي على مستوى العالم استنادا إلى فهمهم الخاطئ للقوة الأميركية وتجاهل حدودها.

ويؤكد ريتشارد هاس ضرورة وجود (خارطة طريق) في هذا الزمن المعاصر وقيام الولايات المتحدة بتصميم ائتلافات ومؤسسات لترويج أهداف معينة تسعى إليها واشنطن. غير أن مؤلف الكتاب يعود فيذكر أن التاريخ والنظرية الواقعية تشيران إلى أن الحديث عن تعاون دولي مستدام أمر غير واقعي، وأنه لن يمضي وقت طويل حتى يقوم واحد أو أكثر من اللاعبين من القوى العظمى بتحدي التفوق الأميركي، وأغلب الظن أن هذا اللاعب قد يكون الصين أو أوروبا التي يزداد توحدها ونفورها.

وهذا أمر لا يمكن تجنبه بأي حال من الأحوال، فالدول تميل إلى تحدي الأمر الواقع عندما ترى أنه لا يتوافق مع طموحاتها الوطنية، وأنه قابل للتحدي.

ثم يقرر هاس بوضوح أن هدف السياسة الخارجية الأميركية يجب أن يكون دفع الآخرين إلى العمل مع الولايات المتحدة وإقناعهم بأنه ليس من الحكمة أن يعملوا ضدها وهي بهذه القوة، أو أن يعملوا ضد نواياها.

وقد ركزت إدارة الرئيس الأميركي جورج. دبليو. بوش على أهمية الاحتفاظ بميزة تفوق القوة العسكرية لردع من يتحدى الولايات المتحدة، وقد جاء ذلك في استراتيجية الأمن القومي في سبتمبر 2002 التي نصت على ما يلي: (يجب على الولايات المتحدة الاحتفاظ بالقدرة على إلحاق الهزيمة بأية محاولة لأي عدو - سواء كان دولة أو لا ينتمي لدولة - لفرض إرادته على الولايات المتحدة أو حلفائها أو أصدقائها..

وسوف تكون قواتنا على درجة من القوة تكفي لإثناء الخصوم المحتملين عن الاستمرار في بناء قوة عسكرية على أمل التفوق على قوة الولايات المتحدة أو مساواتها).

تحديات العولمة

ومع ذلك هناك حدود لهذا التوجه، فالولايات المتحدة ليست في موقف يسمح لها بمنع بروز قوى أخرى، لأن صعود وهبوط الدول لهما علاقة كبيرة بالأحوال الديموغرافية والثقافية، والموارد الطبيعية، ونظم التعليم، والسياسة الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والفرص الفردية، والأطر القانونية، وهي جميعها خارج نطاق السيطرة الخارجية إلى حد كبير.

ويضيف ريتشارد هاس إن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل شيء لمنع صعود الصين أو روسيا أو الهند أو أوروبا، وأي جهد من جانب أميركا لمنع صعود دولة أخرى سيؤدي إلى اكتساب عداوة حكومتها والعمل ضد جهود الولايات المتحدة في أنحاء العالم.

ويزعم صاحب الكتاب أن بلاده تريد وجود دول قوية لتكون شركاء لها في مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة، ومن ثم فإن اهتمام السياسة الخارجية الأميركية لا ينبغي أن يدور حول ما إذا كانت الصين قد أصبحت قوية، بل حول كيفية استخدام الصين لقوتها المتنامية. وينطبق الأمر نفسه على الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول. ولا يلبث المؤلف أن يشير إلى شروط لهذا الموقف الأميركي إذ يقول إن واشنطن تشجع أيضا صعود أوروبا الأقوى والأكثر اتحادا مادامت مستعدة لأن تكون شريكا مهماً في التصدي للتحديات الكونية.

كذلك تفضل الولايات المتحدة (التطبيع) التدريجي للسياسة الخارجية اليابانية، فاليابان التي تطرح معوقات ما بعد الحرب العالمية الثانية، هي وحدها التي تستطيع لعب دور متميز للمساهمة في استقرار آسيا ومعاونة المجتمعات التي مزقتها الحرب.

ومع ذلك لا يكفي أن تثني واشنطن القوى العظمى الأخرى عن التنافس أو التصارع فيما بينها، فالسياسة الخارجية الأميركية تحتاج إلى تشجيع التعاون. وحتى إذا اختارت دول أخرى عدم الإضرار بالولايات المتحدة بشكل مباشر وفضلت التصرف على هواها، فإن عدم تعاونها قد يسبب في المستقبل الوشيك مشكلة للسياسة الخارجية الأميركية أكبر حجما وأكثر توترا.

ويذكر المؤلف أن النتائج المدمرة والمكلفة لعدم التعاون تبدو واضحة في عراق ما بعد الحرب. فبعد مرور أكثر من عامين أبدى عدد قليل من الحكومات رغبته في الالتزام بإرسال قوات وتوفير موارد لمساعدة قادة العراق الجدد وشعبه لكي يتعافوا من عقود من الطغيان وآثار الحرب الحالية وما تلاها من فوضى.

ومع مرور الوقت سوف تؤدي هذه المقاومة السلبية من جانب القوى العظمى الأخرى للسياسات الأميركية في الخارج إلى استنزاف موارد الولايات المتحدة، أو إلى فعل دولي أضعف ضد التحديات المعاصرة، أو إلى كليهما معا.

الرضا لا الإكراه

ويخرج ريتشارد هاس من كل ذلك إلى نتيجة مؤداها أنه لا ينبغي أن يكون هدف السياسة الخارجية الأميركية مجرد الإبقاء على عالم يشكله التفوق العسكري الأميركي، ولكن عليها بدلا من ذلك دمج دول أخرى في جهود تدعمها وتشرف عليها للتعامل مع تحديات العولمة.

ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الرضا وحده لا عن طريق الإكراه. ويستشهد المؤلف في ذلك برأي ذكره هنري كيسنجر يقول: (القوة الأميركية من حقائق الحياة ولكن فن الدبلوماسية هو ترجمة القوة إلى الموافقة الجماعية).

بعد ذلك في رأينا أن القارئ لا يحتاج إلى عناء للتعرف على الهدف الرئيسي الذي يرمي إليه مؤلف الكتاب من خلال تلك السطور التي يوردها في الصفحة 23 من الفصل الأول من الكتاب والتي يتناول فيها موضوع الرضا أو التراضي الذي يشير إليه، إذ يقول إنه يفترض وجود وجهة نظر عامة ومشتركة حول ما يشكل (السلوك المشروع)، ويجب على السياسة الخارجية الأميركية أن تهدف إلى ترويج تعريف مشترك للشرعية بين القوى العظمى وغيرها من الدول.

بحيث يعكس وجهة نظر مشتركة حول غايات ووسائل العلاقات الدولية وفي ظل مثل هذه الخلفية المشتركة تستطيع السياسة الخارجية الأميركية دمج الدول والمنظمات الأخرى في الترتيبات التي يمكن أن تحتفظ بعالم يتطابق مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها.

إن دمج شركاء جدد في الجهود الأميركية في أنحاء العالم سوف يساعدها على التعامل مع التحديات التقليدية للحفاظ على السلام في المناطق التي تعاني الانقسامات، ولحماية التجمعات السكانية الهشة، ومواجهة الأخطار العابرة للحدود كالإرهاب الدولي وانتشار أسلحة الدمار الشامل وغير ذلك.

ويختلف الدمج أو التكامل عن الاحتواء الذي استمر لنحو أربعة عقود من التحدي السوفييتي. ويحتاج الأمر إلى مبدأ للسياسة الخارجية لعالم ما بعد التاسع من نوفمبر 1989 عندما سقط جدار برلين معلنا نهاية الحرب الباردة، وعالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي شهد الهجوم الدامي على المركز التجاري العالمي.

والمبدأ الملائم للعصر الحاضر ينبغي أن يسعى إلى ضم الآخرين لا إلى إبعادهم، وليس هناك شك في الحاجة إلى مبدأ هادٍ يُعٍدّ الجماهير لما قد يُطلب منهم، ويبعث إلى الحكومات والجماعات الأخرى والأفراد الآخرين، سواء كانوا من الأعداء أو الأصدقاء، بإشارات عما تتعطش أميريكا إلى السعي لتحقيقه أو لتحريمه في أنحاء العالم.

وبعد الحرب الباردة لم يتبن أي واحد من الرؤساء الأميركيين الثلاثة سياسة خارجية شاملة أو مبدأً للأمن القومي. فإدارة الرئيس بوش الأب تحدثت عما أسمته (النظام العالمي الجديد) ولكنها لم تضع له تعريفا على الإطلاق.

وكتبت إدارة الرئيس كلينتون عن توسيع دائرة الدول الديمقراطية، ولكنها لم تضع ذلك المشروع في قلب سياسة خارجية ثابتة. ثم كانت هناك محاولات لإطلاق اسم (مبدأ بوش9 على الفترة الرئاسية الأولى للرئيس جورج دبليو بوش التي سادتها سياسة غير مترابطة لم تزد عن الحديث عن مكافحة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، والاستباقية، والأحادية.

ويرى ريتشارد هاس أن الفرصة السانحة الآن في عصرنا الحاضر هي أن تصبح بلاده واحدة ضمن تكامل عالمي أصيل، لأن هذا التكامل وحده هو الذي يوفر التجاوب المترابط للعولمة والرد على الأخطار العابرة للحدود التي تشكل تحديات العصر، وهنا إذن لا يكون هناك مجال للأحادية كمبدأ للأمن القومي، ولن تستطيع دولة واحدة بمفردها - مهما كانت قوتها - أن تواجه بنجاح المخاطر العابرة للحدود، وسوف يفشل أي جهد من هذا القبيل، بل سوف يؤدي أيضا إلى نتيجتين عكسيتين: عودة ظهور عالم توازن القوى.

وتآكل الأسس الاقتصادية - وربما السياسية والعسكرية - لقوة الولايات المتحدة. ويؤكد هاس أن الولايات المتحدة وحدها لا تستطيع مواجهة مشاكل اليوم الحادة بسبب طبيعة تلك المشاكل نفسها والحدود الواقعية للقوة الأميركية..

ومن أمثلة ذلك أن أدوات السياسة الخارجية في الأزمات مثل فرض العقوبات، تصبح ضعيفة التأثير ما لم تنضم حكومات شريكة في الهدف إلى اميركي لتطبيق سياسة العزل. ويتناول المؤلف بالتعليق قولا شهيرا للرئيس بوش بأن (الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى إذن من الأمم المتحدة أو غيرها).

ونشير هنا إلى أن تلك العبارة وردت في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوش في يوم 20 يناير 2004. ويضيف صاحب الكتاب أن هذا القول صحيح، ولكنه لا ينفي بأي حال أن الولايات المتحدة لا تستطيع إنجاز ما تسعى إليه دون انضمام آخرين للعمل معها.

وصحيح في نهاية الأمر أن أميركا لا تحتاج إلى إذن من العالم لكي تتصرف، ولكنها تحتاج إلى دعم العالم لكي تحقق النجاح، وليس الانعزال بديلاً جيداً ولن تستطيع دولة تفادي نتائج العولمة. ومكافحة الإرهاب وحدها لا تشكل طموحا ملائما للسياسة الخارجية الأميركية، فهي مجال بالغ الضيق ولا يقدم دليلا للتعامل مع أغلب الفرص والتحديات التي تفرضها العولمة والعلاقات الدولية.

فضلا عن ذلك فإن التكامل هو الوسيلة الناجحة للتعامل مع خطر الإرهاب، ولن تنجح الولايات المتحدة في ذلك إلا بدمج الدول الأخرى في مكافحته.

الديمقراطية والمصالح

ويبدو أن موضوع نشر الديمقراطية هو التوجه المفضل للفترة الثانية من رئاسة جورج دبليو بوش. ومن هذه الزاوية ينطلق نقد مؤلف الكتاب لهذه السياسة، إذ يرى أن جعل نشر الديمقراطية مبدأ للسياسة الخارجية هو أمر غير مرغوب فيه وغير عملي، وأن هناك مخاطر شديدة لن تجد حلا لها في بروز الديمقراطية.

وقد يكون دعمها واحدا من أهداف السياسة الخارجية ولكنه لا يمكن أن يكون الهدف الوحيد أو المهيمن. ونود هنا أن نذكّر القارئ بما لاقته السياسة الخارجية الأميركية في هذا الصدد من نقد شديد في كثير من بلدان العالم الثالث وعلى رأسها الدول العربية.

وقد تركز هذا النقد على سياسة الكيل بمكيالين من جانب الولايات المتحدة وعدم صدقيتها في دعم الديمقراطية وتغاضيها عن هذا الهدف المزعوم عندما تجد أن مصالحها تقتضي تأييد نظم شمولية وديكتاتورية. وهذا ما تكشف عنه وجهات نظر ريتشارد هاس في الكتاب الذي نناقشه إذ يقول بالنص: زعندما تتعلق المسألة بروسيا أو الصين يبدو من الطبيعي أن تصبح الأسبقية للمصالح الأمنية القومية الأخرى وتتجاوز الاهتمام بالطريقة التي اختارتها الدولتان لممارسة الحكم.

كذلك تؤدي صعوبة عملية نشر الديمقراطية وفداحة كلفتها إلى الحد من جاذبيتها في مجال السياسة الخارجية. ويعود هاس فيؤكد مرة أخرى أن التكامل بين الدول بإرشاد الولايات المتحدة لخلق عالم متكامل هو الحقيقة الممكنة، ولكنه يستدرك قائلا إن البعض قد يرى مخاطرة في عدم نجاح هذا التكامل فقد تؤدي فترة طويلة من الهدوء الدولي إلى تزايد قوة الصين أو أوروبا وتحولها ضد الولايات المتحدة. ويتناول بعض المحللين هذه المخاطر بجدية ويرون أن لدى اميركا مصلحة مهمة في تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة بزعم أن وجود دولة صينية ثرية قد يجعل منها دولة عدوانية مصممة على بسط هيمنتها الإقليمية.

ويتناول المؤلف سببا آخر يبرر رفضه لاعتماد سياسة نشر الديمقراطية كمبدأ للسياسة الخارجية الأميركية، وفي رأيه أن صعوبة ذلك تعود إلى مستوى العداء للسياسة الأميركية الذي يسود في الوقت الحاضر. ويعود الجانب الأكبر في هذا العداء إلى رفض سياسات أميركية معينة وخاصة بالنسبة للحرب على العراق، والموقف الأميركي من القضية الفلسطينية والدعم الأميركي بلا حدود لإسرائيل، ورفض الولايات المتحدة لأية ترتيبات دولية متعددة.

ومن الجوهري تعديل هذه السياسات لأن العداء للسياسة الأميركية يجعل من الصعب على واشنطن أن تجد شركاء ضروريين مفيدين لها في وقت الحاجة إليهم. والأسوأ من ذلك - في رأي ريتشارد هاس - أن إدراك عدم احترام اميركي لآراء بقية الجنس البشري سوف يدفع إلى موقع السلطة أفرادا وحكومات في أنحاء العالم يعتبرون اميركي خطرا تجب مواجهته.

عرض ومناقشة: صلاح عويس