لماذا يتحدث عبر تسجيلات صوتية فقط؟ لماذا لا يتحدث عبر شريط فيديو؟ هل هو مريض؟ نعم، هكذا هي الإجابة المعتادة لـ «مصادر الاستخبارات» الأميركية. إنها الرواية القديمة ذاتها: أسامة بن لادن يتحدث إلينا من داخل أحد الكهوف أو ربما من داخل دور أرضي وذلك عبر شريط سُجل بالتأكيد عن طريق خط هاتفي من على مسافة بعيدة. لقد جاء التسجيل الصوتي الذي أذاعته قناة الجزيرة الفضائية كما هي العادة أبدا ليذكرنا بأن الأمن وليس المرض هو الذي يحدد أسلوب التواصل الذي يتبعه بن لادن.
لقد غزونا أفغانستان من أجل أن نعثر على ابن لادن ونقاتل ونُقتل في العراق من أجل قتل أتباعه، وعلى الرغم من ذلك لا يزال يهددنا ولا يزال يخيفنا.
إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الهراء؟ يحذر الرئيس الفرنسي جاك شيراك من أن فرنسا، من دون كل دول العالم قاطبة، قد تستخدم الأسلحة النووية في حال تعرضها للهجوم. وأتساءل أنا: ضد من يمكن استخدام تلك الأسلحة؟ لقد مزقت أميركا أجساد أطفال باكستان إربا وتدّعي أنها قتلت خمسة رجال مطلوبين لديها، من ضمنهم رجل اختصاصي في تصنيع القنابل.
ولكن ليس هناك بالقطع أي دليل على ذلك. ويقول ابن لادن إن أميركا سوف تتعرض إلى هجوم آخر في حال عدم قبولها هدنة في الحربين في العراق وأفغانستان. أليس من المفترض أننا نكسب «الحرب على الإرهاب»؟ لا يا إلهي، إن «الخبراء» يقولون لنا إن ابن لادن والقاعدة يتجرعان الخسارة. ولهذا السبب فإنهم يريدون الهدنة. البعض يتمنى ذلك بالفعل.
إنها لعبة. ابن لادن ليست لديه أي نية لوضع نهاية للحرب وأيضاً ليس لدى بوش أو توني بلير نية لإنهاء الحرب. إن بن لادن يعلم علم اليقين أن عرضه سيُرفض. فهو يريد من بوش وبلير أن يرفضا عرضه. ثم يظهر بعد الهجوم المقبل في تسجيل جديد يتساءل فيه: هل رأيتم ما حدث عندما رفضتم العرض. لقد حذرناكم. ونحن هنا نتساءل: أهو هو؟ إذن لماذا لا يظهر عبر شريط فيديو؟ لم يحدث قط في التاريخ من قبل أن قام مثل هذا العدد الكبير من الرجال المطلوب اعتقالهم بإرسال صور ورسائل وأشرطة فيديو من الظلام من دون أن يراهم أحد.
المفارقة في هذا الشأن تتمثل في أن البحث عن ابن لادن لم يعد له معنى. لقد أسس ابن لادن تنظيم القاعدة. وانجازه في هذا الشأن قد تم بالفعل. إذن لماذا نُرهق أنفسنا في البحث عنه الآن؟ إن الأمر بمثابة محاولة القبض على علماء الذرة في العالم بعد أن يكون قد تم إنتاج القنبلة الذرية. لقد وُلد الوحش. إن تنظيم القاعدة هو الذي يجب أن نتعامل معه.
ثم يقال لنا إن الأمن الأميركي لم يمنع أي هجمات. وإن «العمليات» تستغرق وقتا حتى تنفذ. يقول بن لادن:«من الأفضل ألا يُقاتل المسلمون في أراضيهم... ولا مانع لدينا من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة لنبني العراق وأفغانستان اللتين دمرتهما الحرب». إن الرسالة تكشف عن أحد الموضوعات القديمة الخاصة ببن لادن وهي فكرة أن تلك الحروب سوف تتسبب في إفلاس الولايات المتحدة.
«ولا عيب في الحل لولا أنه يحول دون انسياب مئات المليارات إلى أصحاب النفوذ وتجار الحروب في أميركا»، هكذا يقول بن لادن في آخر خطاب له. يضيف: «الأميركيون سوف يتعرضون إلى الإفلاس». إن بن لادن يقول ذلك غير مدرك أن الحروب هي التي تضخ الحياة في اقتصاد الدول العظمى.
يبدو من خلال هذا السياق أن «الجانبين» المتورطين في هذا الصراع يعيشان في وهم. يواصل كل من بوش وبلير إخبارنا بأن الوضع في العراق آخذ في التحسن وذلك في الوقت الذي نعلم فيه جميعا أن الوضع هناك يزداد سوءاً. لقد سيطرت أجواء الفوضى على الوضع تماما هناك. الأكفان تواصل وصولها إلى الولايات المتحدة؟ كل ما يمكن فعله هو أن نمنع المصورين من التقاط صور لتلك الأكفان. ماذا عن تفجيرات لندن؟ يقول لنا بلير، ذلك المسؤول تعيس الحظ، إنه ليست لتفجيرات لندن أي علاقة بما يحدث في العراق.
الآن هناك موقع إلكتروني باللغة الإسبانية عن العراق على شاشات البيت الأبيض. لماذا؟ لأن الإسبان مهتمون بالحرب التي تركها جيشهم؟ أم لأن كثيرا من الجنود الأميركيين الذي يموتون في العراق هم من أصل إسباني؟ والآن لدينا بول بريمر، الحاكم الأميركي السابق القليل الحظ أيضا في العراق والذي جاء ليقول لنا هو أيضا إن هؤلاء الجنود الإسبان قد ساهموا في إحداث انتفاضة النجف لأنهم لم يؤدوا مهامهم في العراق. مزيد من الهراء. إن من أشعل شرارة تلك الانتفاضة هو غضب بريمر نفسه عندما تعرض لهجوم من جانب صحيفة شيعية صغيرة كان قد أمر بإغلاقها. وقد كان هذا هو السبب الذي من أجله قاتل مقتدى الصدر الأميركيين.
وهكذا تسير الأمور. إلقاء اللوم على المقاتلين الأجانب في العراق- حتى إذا كان 158 ألفا منهم يرتدون الزي الأميركي. ولُنلق اللوم على سوريا وإيران، وإسبانيا أيضا. ولنلُم أيضا أي طرف «لا يكون معنا».
في حقيقة الأمر هناك حاجة إلى مساعدة من سوريا وإيران كي تستطيع الولايات المتحدة وبريطانيا الخروج من هذه المغامرة المخزية. إذا ماذا نفعل؟ فلنرفع من مستوى الضغوط على إيران وندّعى أنها تنوي إنتاج أسلحة نووية. ولكن لماذا إيران؟ ولماذا لا تكون غيرها من الدول غير المستقرة التي تملك بالفعل أسلحة نووية؟
لماذا لا تتم مهاجمة كوريا الشمالية التي يعاني رئيسُها عدم استقرار هو أكبر في حجمه من ذلك الذي يعانيه أي مسؤول إيراني؟ لأنه يملك أسلحة نووية.
حركة طالبان آخذة في العودة ببطء إلى أفغانستان. خارج كابول كل النساء يرتدين النقاب. ألم يكن من المفترض أنهن قد خلعنه؟ أليس النساء «حرات» الآن في أفغانستان؟ معدل قتل الجنود الأميركيين آخذ في الزيادة في العراق. أليس من المفترض أنهم يتنصرون؟ لقد قسمت كندا قواتها وأرسلت كتيبة إلى قندهار لقتال طالبان والقاعدة. ماذا يفعل الآن الكنديون في العمليات العسكرية؟ ما هي المخاطر التي يفرضها هذا التطور على الدولة الكندية التي كانت بعيدة عن متناول حرب العراق؟
لقد مرت أشهر قليلة على حديث بن لادن الذي أمطرنا فيه بتفسيرات عن الهجمات الخاصة بحركته. وقال وقتها لماذا لا يتساءل أحد عن سبب عدم مقتل أي فرد سويدي؟ وبهذا المنطق افترض أنا نفسي أن هناك إمكانية بالفعل لأن تتعرض أميركا لهجمات أخرى ويكون هناك مزيد من الغارات العسكرية، وهو ما يعني فصولاً أخرى من «الحرب على الإرهاب».
وطوال الوقت نفشل نحن في الغرب في البحث عن سبيل لإنهاء تلك «الحرب». ماذا عن العدالة في الشرق الأوسط؟ ماذا عن إزالة غمامة الظلم التي تطوق المنطقة منذ عقود طويلة؟ من المحتمل أن يقبل المسلمون ببعض الديمقراطية التي نقول نحن إننا سنصدرها لهم. وستروق لهم أيضا حقوق الإنسان الموجودة على أرفف الدول الغربية.
و لكنهم أيضا يحبون نوعا آخر من الحرية وهي حرية التخلص من وجودنا على أراضيهم. ويبدو أننا لن نقدم لهم أياً من ذلك وبالتالي فإن الحرب ستستمر. فلننتظر مزيدا من التسجيلات الصوتية ومزيدا من التهديدات ومزيدا من القتل.
ترجمة: حاتم حسين
عن» تروث أوت»