قليل من الناس من يعرف أنّ هذا الكتاب الفذ هو من كتب الرافعي، وأقل منهم من يعرف قيمة هذا الكتاب!
وقد يُفهم من عنوانه أنه مجرد رسائل أخوية، ولا يعلم أنها اشتملت على كثير من آراء الرافعي؛ الصريحة، والجريئة؛ في الأدب والسياسة والحياة والناس، وفيها فوائد جليلة للأدب والمتأدبين وما تحتوي عليه من تفصيل شامل وتصوير دقيق للحياة الأدبية في عصر الرافعي.
كان أبو رية يكتب إلى الرافعي يسأله عن كثير من شؤون الأدب، فيجيبه بآراء موجزة بحسب طبيعة الرسائل الخاصة، وكان الرافعي يرسل نفسه على سجيتها، لا يكاد يخفي شيئاً مما يحسه ويشعر به.
قال لتلميذه: إنك تريد امتلاك (ناصية الأدب)؛ فينبغي أن تكون لك مواهب وراثية تؤديك إلى هذه الغاية، وهي مما لا يُعرف إلا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمناً، فإن ظهر عليك أثرها وإلا كنت أديباً كسائر الأدباء الذين يستعيضون من الموهبة بقوة الكسب والاجتهاد، فإذا رغبت في أقرب الطرق إلى ذلك فاجتهد أن تكون مفكراً منتقداً.
وعليك بقراءة كتب المعاني قبل كتب الألفاظ، وادرس ما تصل إليه يدك من كتب الاجتماع والفلسفة الأدبية في لغة أوروبية أو فيما عرب منها، واصرف همك عن كتب الأدب العربي بادئ ذي بدء إلى (كليلة ودمنة)، و(الأغاني)، و(رسائل الجاحظ)، و(البيان والتبيين). وتفقه في البلاغة بكتاب (المثل السائر).
وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبي وقد كنت شديد الولوع به، ثم عليك بحفظ الكثير من ألفاظ كتاب (نجعة الرائد) لليازجي و(الألفاظ الكتابية) للهمذاني، وبالمطالعة في كتاب (يتيمة الدهر) للثعالبي و(العقد الفريد) لابن عبد ربه وكتاب (زهر الآداب)، الذي بهامشه. وأشير عليك بمجلتين تعنى بقراءتهما كل العناية (المقتطف) و(البيان).
ومن جميل ما يروى ذكر قصيدة التبرج (ص 84 )
ويقول فيها الرافعي:
دلالُكِ في التبرُّجِ مِنْ ضَلالِكْ
وما عابَ الدَّلالَ سوى دلالِكْ
كَمُلْتِ تبرُّجًا فَكَمُلْتِ حُسْنًا
ولكنْ جاءَ نقصُكِ مِنْ كمالِكْ