رهانات نوبل الأدبية

من الصعب التنبؤ، حتى لحظة نشر هذا المقال، من سيفوز اليوم بجائزة نوبل للآداب لعام 2025، فالأكاديمية السويدية دأبت على مفاجأة العالم كل عام، واختيار أسماء لم تكن في الحسبان، لكن المراقبين والمراهنين يطرحون أسماء باتت تتصدر المشهد في رهانات الجامعات والأوساط الثقافية الأوروبية، وفي مقدمتها الياباني هاروكي موراكامي، والشاعر الروماني الساخر ميرسيا كارتاريسكو، وهما من أكثر المرشحين استحقاقاً، بحسب سوق المراهنات لدى نقاد أوروبا.. وفي المقابل ارتفعت أصوات في الولايات المتحدة لترشيح الشاعرة والناقدة الكندية المقيمة هناك آن كارسن، بينما رشح مثقفو أمريكا اللاتينية الكاتبة المكسيكية كريستينا ريفيرا غارثيا، إلى جانب أسماء أخرى تتردد في صالونات الأدب العالمية.

وحسب متابعتي لما يُكتب في الصحف الثقافية وما يُتداول في الصالونات الأدبية، وجدتني قد قرأت لاثنين فقط من بين المرشحين، هما: موراكامي وكارتاريسكو، وأكاد أراهن عليهما معاً؛ إذ يجتمع فيهما الشرق والغرب في حلم واحد، ويجمعان بين الاعتراف العالمي والابتكار الفني، ومع ذلك قد تفاجئنا الأكاديمية كعادتها بشخص أقل شهرة، يحمل صوتاً قوياً يلامس جوهر الإنسان.

يبقى هاروكي موراكامي الكاتب الذي رسم العالم كما لو كان حلماً طويلاً، وزرع في نصوصه عزلة المدن الكبرى وضياع الإنسان في زحامها، وأنصتَ إلى موسيقى الجاز والقطط التي تفتح أبواب العوالم الخفية، في منطقة واحدة هي اللاوعي الجمعي الذي يصوغ الأدب الكوني.. فرواياته الطويلة والهادئة، مثل «كافكا على الشاطئ»، و«الغابة النرويجية»، تحوّل الواقع إلى استعارة للبحث عن الذات، بلغته البسيطة العميقة وقدرته على تحويل الوحدة إلى فلسفة.. فهو الكاتب الذي أصبح يُقرأ في طوكيو كما في نيويورك ودبي والقاهرة.

أما ميرسيا كارتاريسكو، ابن بوخارست، فيكتب عن الإنسان الضائع في ذاته، ويُعد الصوت الشرقي الأكثر إدهاشاً في أوروبا، بل يمثل صوت «ما بعد أوروبا».

قصيدته ملحمة، وذاكرته حلم، وخياله عصاب، يبني عالمه من المرايا والهذيان، حيث تتقاطع الذاكرة بالأسطورة، والفرد بالتاريخ.. يمزج بين كافكا وبروست، وبين الجنون والفلسفة، ليصوغ صوتاً فريداً لما بعد الآن، كما يسميه النقاد.

إن اجتماع هذين الاسمين في ترشيحات هذا العام ليس مصادفة، بل إشارة إلى تحول نوبل نحو الأدب المتأمل في الوجود، والنصوص التي تجعل من الغموض لغة كونية.. وقد تفوز الأكاديمية بأحدهما، أو تفاجئنا باسم جديد يحمل دهشة الاكتشاف، لا نجومية الأدب.