بين التراكم الشخصي وغياب الاعتراف المؤسسي

أن ينجز المرء ويكدس إنجازاته عاماً بعد عام، ويبني رصيداً تاريخياً لنفسه، وأن يحرص على أن تكون سيرته الذاتية شاهدة على جهدٍ متواصل، ونتاجٍ يتراكم كالحجارة التي تبنى بها قلاع العمر... ثم بعد سنوات طويلة، يستيقظ ليجد راتبه لا يتجاوز راتب زميل مبتدئ، فذلك هو الوجه القاسي من معادلة العمل، حيث تتجلى فجوة واسعة بين التراكم الشخصي والاعتراف المؤسسي.

كيف في البدايات، يمتلئ الموظف بالحماسة، ويظن أن كل خطوة يخطوها وكل عمل ينجزه سيكون لبنة في جدار اعتراف يعلو مع الزمن، يحفظ كل ما يكتب أو ينتج أو يبدع، يضيفه إلى سيرته بفرحٍ صامت، كمن يضع لآلئه في صندوق مخملي، لكن السنوات حين تمضي، وتبقى المكافأة المادية جامدة لا تتحرك، يشعر وكأنه يضع تلك اللآلئ في صندوق لا يراه أحد..

المفارقة الأشد قسوة، حين يكتشف المرء أن التقدم لا يوازي بالضرورة تقدماً في العدالة المؤسسية أو في سياسات الاعتراف، فهناك، في قلب المدينة الحديثة، قد يعيش إنسان بإنجازات متراكمة، لكن يعامل في سلم الرواتب كأنه في الصفحة الأولى من مسيرته، ويتحول مع الوقت إلى صاحب رصيد ثقيل من المعرفة والممارسة.

فهل هذا يعني هشاشة العلاقة بين الإنجاز والتقدير؟ وهل القيمة الحقيقية للعمل لا تكمن فقط فيما يضيفه الموظف إلى ذاته؟ بل فيما تقرره المؤسسة من وزن لهذا الإنجاز؟ لكن إذا اختارت المؤسسة أن تتعامى، فإن الإنجازات تتحول إلى تاريخ شخصي بلا مقابل، إلى سيرة لا تقرأ إلا من صاحبها.. وهذه معضلة تطرح سؤالاً أعمق:

ما معنى أن نعمل ونجتهد وننتج إذا كانت أنظمة المكافأة لا تعترف إلا بوجودنا العددي، لا بجوهر ما حققناه؟

إن التراكم الشخصي يظل ثروة لا ينكرها الزمن، لكن غياب الاعتراف المؤسسي يحوله إلى شعور بالغربة، إلى جرح في قلب الطموح، وبين الاثنين يعيش المرء مفارقة مرة: سيرة تزداد وزناً، وراتب يبقى خفيفاً على الرغم من المسيرة الناضجة، كأن الحياة تسخر من جهدٍ لم يجد مكانه بعد في ميزان العدالة، والنتيجة إحباط ناتج عن فجوة تصنع شعوراً بالغربة.

وأخيراً، هناك موظفون يسمعون كلاماً إيجابياً وشكراً، لكن مأساة الفجوة بين الجوهر والمظهر: جوهر يفيض خبرة وكفاءة، ومظهر لا يعكس سوى رقم جامد في كشف الرواتب.